من قتل من؟ سؤال يندفع من عمق التاريخ كالمقذوف البركاني، قد يخمد سنين لكنه يحتفظ بقوة الدفع اللازمة للعودة مجددا، من قتل من ؟ قابيل أم هابيل؟ من قتل من؟ جساس أم كليب؟.. عثمان بن عفان (ر) أم الغوغاء؟.. يزيد أم الحسين؟ وربما الأقرب لما سوف نقول من قتل من؟ الحجاج أم سعيد بن جبير؟ أو لو عممنا الحاكم ام الضحية؟
هدا السؤال المتكرر عبر التاريخ من اقوى الكلمة أم السيف؟ من الأبقى القاتل أم القتيل؟
في يوم من الأيام اجتمع عند عمر بن الخطاب (ر) كعب بن زهير ابن أبي سلمة وابن هرم بن سنان فسأله الخليفة: عندما قال زهير القصيدة الشهيرة في مدح أبيك ماذا أعطاه؟
أجاب: ثلاثمائة ناقة موسومة
فسأل كعب ماذا بقي من هذه النوق؟ فقال أفناها الزمن يا أمير المؤمنين
فالتفت الى ابن هرم بن سنان وقال له: أما قصيدة زهير فلم يفنيها الزمن.. كسبت تجارة أبيك
الكلمة أغلى من المال، والكلمة أقوى من السيف، فربما يكون زبانية بشار –الأسد- قد استطاعوا قتل الشاب إبراهيم قاشوش وانتزاع حنجرته، ولكن أكيد أنهم لن يستطيعوا أن يمسحوا كلمات أغنيته من ذاكرة الناس..
وربما يكون الشبيح الذي استطاع قتله وأرسل حنجرته إلى قصر يزيد قد نال ثلاثين ألف ليرة مكافأة له أو ثلاثمائة ألف أو ثلاثة ملايين.. سيفنيها الزمن.. أما أغنية أرحل يا بشار لن يفنيها الزمن
نعود إلى سؤالنا التاريخي، من قتل من إبراهيم أم بشار؟
ما قتلوه ولكن شبه لهم، أما هو فقد قتله أكيدا
إن التجرؤ بهذا الشكل الصريح والفني في نفس الوقت هو ضربة المقتل لصورة الديكتاتور التي تقوم على فرض القداسة حولها، فإذا كانت التظاهرات التي حطمت التماثيل وانتزعت الصور قد كسرت السور الذي حولها، فقد جاءت أغنية قاشوش إلى شخصية الدكتاتور نفسها محطمة الرمزية المفترضة.. التي هي كتمثال من الزجاج لا يمكن بأي حال إصلاحه مهما حاولوا سيبقى واضحا أنه مهشم ومشوه
فحتى لو نجح بشار –ولا أظن أن له حظا كبيرا- في الاستمرار بالحكم، فكلما ظهر أو رأينا صورته سنتذكر عبارة (يا بشار طز فيك..) وكل ما ذكر حرف السين سنتذكر أغنية قاشوش.. وكلما ألقى خطاب سنتذكر القاشوش.. وكل ما رأينا بومة.. وكلما أصابتنا جرثومة.. يعني كلماته ستبقى حاضرة يوميا.. لقد قتله سياسيا وللأبد
أنا كنت متوقعا ردة الفعل العنيفة من نظام كهذا يتصرف بغريزة الأسد الجريح.. لكنه ينسى أننا لسنا في غابة واستعادة الهيبة لن تكون بتمزيق فريسة إلى أشلاء بطريقة وحشية أمام باقي الحيوانات.. ففي السياسة.. وعبر التاريخ كانت صناعة الطغاة والدكتاتوريين بحاجة للكثير من القسوة والعنف، ولكن وعبر التاريخ أيضا لم يكن ممكنا بالعنف وحده صناعة هيبة لحاكم ما، لم تكن مرتبطة بمشروع وطني أو قومي كبير يبرر ذلك أو منظومة أخلاقية متسامية تغطيه..
بشار ونظامه انكشف تماما وعار عن كلتيهما وأي قدر من العنف والدم والجثث والتنكيل والتمثيل.. لا يستطيع أن يعيد الزمن للوراء.. أو يعيد ما كان إلى ماكان.. ولا مجال للاصلاح لانه قدر كل نظام استبدادي أنه لا يترك خيارات متعددة بينه وبين مجتمعه
وسوف تعيش سورية.. وسيسقط بشار الأسد (المقتول) عندما تتهالك منسأته
جحا الدمشقي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق