كرر واجترى المجتمعون في ما سمي بلقاء الحوار الوطني (بالحاء طبعا) وبتعبيرات وجمل مختلفة عبارة (تحت سقف الوطن).. حقيقة هذه العبارة تثير اشمئزازي وتشعرني بالغثيان.. وكلما سمعتها أتخيل الوطن زنزانة ضيقة بسقف منخفض تملؤها رائحة العفونة والنتن.. كلما سمعتها –بالأخص ممن يدعي أنه مثقف- أشعر أن الوطن زريبة لها جدران وسقف.. وأننا تحت سقفها قطيع من الحيوانات المدجنة تستطيع الخوار ولا تستطيع الحوار..
من قال أننا نريد وطنا له سقف، سواءا ارتفع أو انخفض.. سواءا كانت من الإسمنت أم من الحديد.. نريد وطنا له سماء نرى على ترابه نور الشمس.. ونتنفس فيه بحرية وآمان.. لا نأخذ تنفس ونخرج لقضاء الحاجة ثم نعود تحت عتمة سقفه وجدرانه الباردة..
تحت سقف الوطن المزعوم نمت الجراثيم والطحالب والطفيليات.. تحت عتمة السقف ارتكبت أفظع الانتهاكات، وأبشع الممارسات.. تحت السقف المزعوم عشعشت الرطوبة ورائحة القيئ والدم والبارود.. تحت السقف جرى ما لا عين رأت ولا أذن سمعت
فاعذروني أيها السادة المتآمرين تحت سقف الوطن.. تحت سقف قاعة الخوار الوطني.. تحت خط الفقر الفكري والأخلاقي.. (وتحت الزنار ونازل) بلا مستحى منكم.. فكما يقول المثل: (عند العجايز كل شي جايز).. فأبوس سقف صلعاتكم واحد واحد.. كرمال سقف الدخل الوطني المحدود.. كرمال سقف الراتب التقاعدي.. كرمال سقف حلوقنا اللي نشفت من كتر الخوار.. كرمال سقف القبور اللي كلكم على بعد خطوة منها.. كرمال كل من ما له مال.. وكرمال كل من حالو مال.. كرمال ذكاءكم وهبلتي.. ما بدنا أسقف.. ما بدنا وطن إله سقف
كلما سمعت (سقف الوطن)
يسكنني الهم والحَزَن
يعتريني البرود
ويغلبني الشجن
أشعر بالمغص والإسهال
ورغبة الإقياء
وأعراض السل والسعال
وتزكم أنفي رائحة العفن
كلما سمعت (سقف الوطن)
انزوي وحيدا
وارعف من جديد
أرعف من جديد
وأحلم أن يكون لي وطن
بلا سقف من حديد
بلا وعود أو وعيد
بلا رعب بلا فقر أو حَزَن
وطن بلا تعريف بلا شعارات
بلا حوار بلا خطابات
ولا أريد سوى.. وطن
مثلما يحلم أي طفل صغير
لا يعرف النطق لا يعرف التنظير
لكنه يعرف تأويل الحلم
يعرف ما يريد
وعنه لا يحيد
وكلما سمع (سقف الوطن)
يرعف من جديد
يرعف من جديد
أعرف أنني شاعر فاشل، ولكني من الألم قد نثرت بعض الأبيات لأقول أنني وأنا بكامل قواي العقلية: أنني أحملهم مسؤلية كل دم يرعف من أنف سجين أو ينزف من قلب شهيد
جميل
ردحذف