انوه فقط أن هذا الجزء والجزء التالي كانا مكتوبين قبيل الحملة الشرسة التي بدأها النظام من بابا عمرو
لقد تناولنا في الحلقات السابقة رموزا من الثورة السورية كأشخاص تحولوا إلى حالة إنسانية أو سياسية تولد الطاقة الدافعة لهذه الثورة.. لكن الرمز لا يقتصر على الأشخاص، وقد يتعداها إلى المجموعات او التشكيلات.. ولعل أبرز الأمثلة، هي الجيش السوري الحر، ليس كأفراد أو أشخاص بعينهم على أهميتهم، وأهمية إبراز اسماءهم وإثباتاتهم الشخصية التي تثبت أنهم جزء من الواقع السوري الجديد، وليسوا نسجا من الخيال او الأوهام التي تداعب الخيال الشعبي زمن الثورات أو التحولات العظمى في تاريخ الشعوب.
فهذا الجيش الذي بدأ بانشقاقات فردية تمثل حالات من الشجاعة الفردية والمخاطرة بالسلامة الشخصية وسلامة ممتلكاتهم وعوائلهم في ظل القمع الأعمى.. والتي تستحق أكثر من مجرد التقدير والاعتزاز
ان اتساع حالات الانشقاق وزيادة التنظيم والارتباط قد جعلت منه قوة –ربما لا تقاس بالمعنى العسكري بالنسبة لجيش النظام- لا يستهان بها على الأرض وجعلت منه رقما صعبا في المعادلة السورية، ولم يعد من الحكمة اهملها او الاستخفاف بها من قبل أي فصيل أو تنظيم بغض النظر عن موقفه الأيديولوجي من هذه الظاهرة الفريدة
لا شك أن التصور أو الحلم بأن تستطيع هذه المجاميع من المقاتلين الشجعان –من مدنيين اضطروا لحمل السلاح والعسكريين الذين أخذوا قرار الانشقاق- بالتصدي للجيش الأسدي المدجج بالأسلحة الثقيلة أو الدفاع عن مناطق محددة على الأ رض لأمد طويل هو تصور بعيد عن الواقعية.. وغير مطابق للحسابات العسكرية بالمفهوم التقليدي
ولكن من ناحية أخرى، لا يمكن الشك أنها تستطيع خوض حرب عصابات تقوم على الكر والفر لمدة غير قصيرة.. تستطيع استنزاف قوة النظام، بالأخص إذا ما توفرت لها إمدادات السلاح.. وفي ظل حالة الاحتضان الشعبي الكبير لها.. وتجعل أي حل سياسي للأزمة غير واقعي دون أخذها في الحسبان رغم تفاوت موازين القوى على الأرض..
كما أنها قد تنجح –إذا ما أرادت- في توفير الحماية للحراك السلمي في بعض المناطق على الأقل.. ولكن ذلك يتطلب منها التخطيط السليم.. والوعي بأهمية الحراك السلمي وأولويته في مسيرة الثورة.. وهذا يتطلب الكثير من الانضباط والحذر من إغراء السلاح والعسكرة
إن قوات الجيش والأمن التابعة لبشار قد تحولت في ممارساتها إلى قوة احتلال بكل ما لهذه العبارة من معنى.. وذلك يعطي المشروعية القانونية والأخلاقية لمقاومتها
ولا يذكر التاريخ في أي من صفحاته أن المقاومة في أي بلد أوفي أي زمن قد أخذت موازين القوى بعين الاعتبار! وإلا لما نشأت أية مقاومة في العالم.. ولبقيت أمريكا محتلة من بريطانيا العظمى.. ولبقيت سورية محتلة من فرنسا..
إن قوة الجيش السوري الحر لا تحسب بالكمية العددية.. او من احصاءات قطع السلاح التي يملكها.. بل قوته الأساسية من الطاقة الرمزية التي يمتلكها
لقد أصبح الجيش الحر الرمز الأساسي لتحدي هيمنة النظام.. والوعاء الأكثر استيعابا لشريحة كبيرة من الشباب.. والقوة الدافعة للثورة في مرحلتها الحالية مدعوما بتراث كبير من حكايا البطولة والفداء والاستشهاد.. في التاريخ العربي
ليس غريبا أن نجد كل هذا الحماس و الاندفاع في كل ما يخص الجيش الحر!! وبقدر ما تكون هذه ظاهرة إيجابية يمكن أن تتحول إلى ظاهرة سلبية، وبقدر ما هي قوة دافعة، يمكن أن تدفعنا في الطريق الخاطئ، بالأخص إذا ما سيطر إغراء السلاح وسحره على عقل الثورة وأنستنا بأن أي عمل عسكري قد يتحول إلى عمل عبثي أو حتى إجرامي إذا لم يكن محكوما بمشروع سياسي وقيادة سياسية تحدد مهامه بدقة وتحدد قواعد استخدام القوة.. ودون وجود قيادة عسكرية واضحة السلطة وقادرة على الضبط أثناء الثورة أولا والأهم بعد نجاح الثورة
المتظاهرون في كل أنحاء سورية يهتفون: الجيش الحر.. الله يحميك
وأنا أقول معهم: الجيش الحر.. الله يحميك من النظام.. والله يحميك من كل المنزلقات التي ذكرتها
يتبع
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق