إن أخر ما تحتاجه أو تنشده الأنظمة الاستبدادية هو الشرعية!! بل يمكن أن نقول أنها تبحث عن أغطية شرعية تتدثر بها وليس مفاهيم شرعية تدخل في بنيتها أو تشكل فلسفتها في الحكم
وغالبا ما يكون الغطاء الشرعي هو تبني مشروع قومي كبير او نظرية ايديولوجية لها ما يشبه القداسة تجعل هامش نقدها أو معارضتها أضيق ومواجها بحالة رفض شعبي..
لقد تبنى حكم العسكر الذي استولى على السلطة في آذار 63 المشروع القومي بإديولوجيا حزب البعث بأهدافه الكبرى "وحدة حرية اشتراكية" التي كانت قادرة على تجيش الجماهير ومداعبة عواطفهم..
وبعد استيلاء حافظ على السلطة تبنى شعارات أقل راديكالية.. وانتقل من شعار الوحدة العربية الى الاتحاد ثم إلى التضامن العربي إلى العمل العربي.. ومن التحرير الشامل إلى التوازن الاستراتيجي الى الصمود والتصدي الى المقاومة.. ومع مجيء بشار استبدلت بالممانعة..
وفي كل محطة كان التجيش الإعلامي يستخدم بطاقاته القصوى.. وهذا النوع من الأنظمة الاستبدادية كان بارعا في استخدام الاعلام التقليدي للتجيش "في ظل انعدام المنافسة، والسيطرة على كل وسائل الاعلام، وتسخير موارد كبيرة له"
لكنه فشل في استخدام الإعلام الجديد رغم عدم بخله في الانفاق المسرف عليه لكنه فقد السيطرة في ظل المنافسة الشديدة وتوافر الامكانيات في الاعلام البديل للعموم
ان التحكم الاعلامي "الديمغوجيا" بالنسبة لنظم الاستبداد هي أساس الشرعية المزعومة.. انها شرعية اهداف او مشاريع او انجازات منسوجة من الوهم لا ظل لها على الأرض.. مع ذلك فقد نجح في مراحلها السابقة باستقطاب فئات غير قليلة بالتصديق او الاقتناع او بالتقية.. بما ضمن له الحد الأدنى من الاستتار والاستمرار.. قبل أن تأتي وسائل الإعلام البديل وتنتشر بشكل واسع في المجتمع وباستغلالها بشكل فعال في المرحلة الأخيرة مستعينة بالخبرات التي تكونت في الربيع العربي استطاعت اسقاط هذه الستارة الإعلامية المحيطة بعورة النظام وتركته عاريا بكل قبحه
لقد اسقطت كذبة الممانعة.. وكذبة الآمان والاستقرار.. التي كانت العامود الفقري لشرعيته المزعومة
وإذا ذهبنا إلى الشرعية بمفاهيم الأنظمة الديمقراطية نجد أنها ثلاثة أقسام "شرعية الوصول، شرعية التمثيل، شرعية الانجاز" لنقيسها على النظام السوري "ان جاز لنا القياس" فشرعية وصول بشار –بتعديل هزلي للدستور- لم تكن مقنعة حتى لكثير من الموالين للنظام لذلك كانت المسكوت عنه في اعلام النظام.. أما شرعية التمثيل فقد حاول النظام اللعب عليها كثيرا بأن بشار شاب وهو يمثل جيل الشباب الذي يشكل الأغلبية.. وهو أكاديمي ويمثل شريحة واسعة.. الخ ولكنه كان ممثلا فاشلا لهذا الدور في مسرحية هزلية.. وانتهى إلى ممثل للشبيحة أو طائفة أو فئة لا أكثر
كذلك الأمر بالنسبة لشرعية الانجاز في عهد بشار خلال عشر سنوات التي كانت أكبر فضيحة للنظام وانصاره
وقد يقول البعض ان استخدام النظام للرصاص الحي ضد المتظاهرين السلميين قد أفقده كل شرعية، وأنا أقول أن ذلك ليس له علاقة بشرعية الحكم بل ذلك ما حوله لعصابة مسلحة.. تقترب من صفة قوة احتلال تشرعن كل اشكال المقاومة ضدها
ربما تكون الستارة الشرعية هي أضعف قوائم عرش الاستبداد.. ولكن سقوطها يكتسب أهمية كبيرة في فك ارتباط فئات غير قليلة عنه، والأهم تسويغ مشروعية المقاومة وتوفر لها الحاضنة الشعبية اللازمة لإزالة أنقاض النظام الساقط وانتشال الشعب من تحت الحطام.. ولا شك أن هذا السقوط سيكون له كثير من الضحايا يتوقف عددها على قوة السقوط وبراعة عملية الانقاذ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق