19‏/03‏/2012

سنة ثورة 3 "سقوط القوة "

تناولنا في الجزأين الأولين سقوط الخوف، وسقوط الرمز، واليوم نتناول سقوط القائمة الثالثة من قوائم الاستبداد
لا شك أن صناعة أي ديكتاتور عبر التاريخ كانت محتاجة لاستخدام العنف بمختلف أشكاله "الجسدي، النفسي.. والمادي" وبمختلف درجاته.. في مرحلة محددة على الأقل.. أو على امتداد فترة حكم الديكتاتور وان اختلفت الدرجة..
ولكن لا شك أيضا، والذي أثبتته الدراسات النظرية والتجارب العملية أن التهديد باستخدام القوة أكبر تأثيرا بكثير من الاستخدام الفعلي للقوة
ولكن التهديد باستخدام القوة والعنف لا يكون له تأثير يذكر دون الاستخدام الفعلي لها لمرة واحدة على الأقل.. لأن ذلك ما يخلق الخيال الإنعكاسي الذي يخلق تصورات عن تلك القوة الغاشمة تفوق حدود قدراته بكثير.. وترسم تصورات لأسوأ الاحتمالات الممكنة وإن كانت احتماليتها تكاد تكون معدومة!!
لقد برع المقبور –كديكتاتور- في اللعب بثنائية استخدام العنف والتهديد به إلى درجة خلقت تصورات مخيفة لدى شريحة واسعة من السوريين جعلتهم يتحسبون في أحاديثهم لأقرب الناس بل حتى في مناجاتهم الداخلية.. فما بالك بالتفكير في أي تحرك إيجابي؟!!
وعندما بدأ عهد بشار كان استمرارا طبيعيا لعهد أبيه.. وقد استطاع إيقاف ربيع دمشق 2001 باستخدام التهديد بالدرجة الأولى، واكتفى باعتقال عشرة ناشطين فقط وملاحقة أو مضايقة المئات فقط.. وقد خدمته الظروف الدولية وقتها واستفاد من الإرث المرعب لنظام أبيه المقبور
ولكن غالبا –ان لم نقل دائما- يؤدي الاستخدام المفرط أو الطويل للعنف إفقاده قدرته الرمزية التي هي مكمن قوة تأثيره على الآخرين اللذين هم الهدف الحقيقي لا المعنف بذاته..
إن أقرب مثال على ذلك هو ما قامت به أمريكا في العقدين الآخيرين.. فباستخدامها العنف المفرط الخاطف في حرب العراق الأولى قد خلق حالة رعب عالمي من بطش هذه القوة وأدى للإذعان لها كقطب أوحد.. في حين أن الاستخدام المفرط للقوة بشكل مديد في أفغانستان والعراق قد أفقدها هيبتها وخلق الرغبات في تحديها إقليميا ودوليا
لقد وقع نظام بشار في نفس الخطأ نتيجة تصور مغلوط في مواجهة رياح الربيع العربي، حيث كانت قراءته للأحداث في مصر وتونس بأن تأخر استخدام العنف المفرط هو ما سمح للاحتجاجات بالاتساع فاتخذ القرار بجر المجتمع لمواجهة مبكرة قبل استكمال تحضيراتها أو تطوير وسائلها والمواجهة بعنف مفرط جدا خارج حدود المعقول لوأد أي رغبة أو أمل في التحرك.. وهذا ما يفسر القسوة التي مورست على أطفال درعا، واستفزاز أهاليهم "وهي ليست حماقة عاطف نجيب بل قرار النظام الأمني"
وكذلك كان قرار مواجهة أول مظاهرة في درعا برصاص حي غزير جدا جدا، لا يفسره أو يبرره حجم تلك المظاهرة او موقعها او مطالبها..
ولكن فشل سياسة الصدمة الأولى في وقف الحراك.. واستمرار سياسة استخدام العنف وتصاعده من قوى الأمن إلى خليط من الأمن والشبيحة.. إلى استخدام الجيش ثم دخول الدبابات والمصفحات والأسلحة الثقيلة.. قد أفقد هذه القوة هيبتها ورهبتها.. وتأثيرها المستهدف
فعند دخول المدرعات إلى المدن أول مرة كان منظرها مرعب للكثيرين، ولكن بعد أسابيع من وجودها أصبحت منظرا معتادا لا يخلق أي شعور بالخوف أو الرهبة.. وكذلك الحال بالنسبة لأصوات الرصاص، ومناظر الدماء والشهداء..
لقد فقد خيار النظام باستخدام العنف حتى في ذروة قسوته القدرة على خلق الخوف المؤدي للإذعان الذي قلنا أنه جوهر نظام الاستبداد، وأصبح مجرد عنف محض بدون هدف محدد
إن هذا النوع من العنف قد يؤدي للسخط  والغضب ورغبة التمرد أو رغبة الانتقام..أو.. ولكنه لا يمكن أن يؤدي للاستسلام والخضوع من جديد
إن ما يفعله النظام الآن ليس حلا أمنيا – كما يدعون- ولكنه خيار انتقامي موتور يستهدف تخريب مرحلة ما بعد نظام بشار.. ورفع كلفة إزالته فقط.. دون أي تغيير في حقيقة أن النظام قد سقط.. سقط.. وليس سيسقط
فالأنظمة الديكتاتورية تسقط عندما يسقط الخوف من قلوب رعيتها.. عندما تسقط هيبتها.. عندما يسقط تأثير خيار العنف.. وعندما تسقط شرعية وجودها وهذا ما سنتناوله في الجزء الأخير
يتبع

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق