04‏/03‏/2012

أصدقاء سورية 2 (الصديق الأحمق)

في البداية نذكر بالمعادلات الثلاث التي ذكرناها في الجزء الاول
عدو عاقل خير من صديق أحمق
ربي أجرني من اصدقائي.. أما أعدائي فإني أعرفهم.. وإني كفيل بهم
تختلط عندي الوجوه، العدو يصبح صديق!!
إن أكثر من يجسد هذه المعادلات اليوم هي صديقتنا روسيا –وريثة الاتحاد السوفياتي السابق- التي رغم المرارة والألم  لا يجب ان تنسينا عقودا كانت فيها الداعم الرئيسي لنا في المحافل الأممية (بما تتيحه معادلات التوازن الدولي) وكانت الساتر الطبيعي في وجه الهيمنة الغربية على المنطقة، والمورد الرئيسي للسلاح يوم عز السلاح (وان يكن وفق تبادل مصالح مقبول).. والممول لبعض مشاريع التنمية الكبرى..
ولا يجب ان ينسينا ألم الجرح من الفيتو الروسي الأخير دستة من الفيتويات الأمريكية ضد الأمة العربية.. ولا يجب ان ننسى – ولا أظننا نسينا ونحن في قمة المحنة- أن الدم السوري ليس أغلى من الدم الفلسطيني أو الدم العراقي.. وأن من ساهم في سفكها قد ساهم في سفك دمنا أيضا.. وإلا سنكون قد انتقلنا إلى المعادلة الثالثة دون أن نشعر
ويجب ان لا يغيب عنا –ونحن في ذروة الخطب- أن رفض أي دور روسي في المنطقة، أو في حل الأزمة السورية، هو ارتماء في الحضن الأمريكي.. وان القطيعة المطلقة مع إيران هي خلل واضح لمصلحة المشروع التركي بالأخص في ظل الاضطراب في عمقنا الاستراتيجي في مصر والعراق.. (وأنا مدرك أن هذا الكلام مر جدا، بالأخص في هذه المرحلة.. لكنها السياسة كتجرع كأس العلقم)
فالسياسة هي التعامل دائما مع واقع صعب، وأظن أنه ليس خاف على أحد الآن كم هي معقدة المعادلة السورية في ظل عالم مضطرب!!
لكن يبقى لنا من جهة اخرى ما هو أكثر بكثير من العتب على موقف صديقتنا الحمقاء.. والذي يتجاوز بحماقته الواقع السياسي الجديد بشكل عصي على الفهم أو التصديق!!
وكل ما يمكن ان يوصف كمخاوف من قبلهم حيال الوضع السوري غير واقعي لحد الوهم أو الفوبيا.. أكثر منه تحليلا سياسيا أو تخطيطا استراتيجيا في منطقة قدر الله لها أن تكون حاكمة للمعادلات الدولية..
فأي استراتيجية حمقاء! تلك التي تبنى على مصالح مع نظام حاكم مهما كان وضعه على حساب العلاقة مع الشعوب، بالأخص الشعب السوري الذي رفض – بكل أطيافه وتوجهاته- الهيمنة الغربية منذ الخمسينات، وقرر التوجه شرقا للهروب منها.. فالشعب السوري هو الذي فرض العلاقة المميزة مع الاتحاد السوفياتي قبل الأسد، وقبل البعث.. وهو الأبقى والأقدر –رغم كل الظروف- وهو الأجدر بالاعتبار في اية علاقة لها صفة الاستراتيجية
أما  القلق على صادرات السلاح الروسي؟؟ فليس  له محل من الإعراب، فأي عاقل يدرك أنه من المستحيل على أي نظام جديد في سورية أن يقوم بتغيير مصادر تسليحه بجرة قلم، بعد نصف قرن من الاعتماد على السلاح الروسي.. إلا في حالة واحدة فقط؟ وهي تدمير الدولة السورية برمتها.. وذلك سيخلق واقعا جديدا يتجاوز في معطياته بضع مليارات من صادرات السلاح
وحتى إذا كان الموضوع بالنسبة لها متجاوزا الحالة السورية لما هو ابعد منها في السياسة الدولية وموضع روسيا في خارطتها فإن ذلك يقتضي التفكير في وضع المنطقة ككل من مصر إلى العراق.. مرورا بالخليج العربي.. و رغم أهمية سورية الاستراتيجية في معادلات المنطقة فإنها بنفسها غير كافية ولا ضامنة لبناء أية استراتيجية ثابتة حيالها من قبل دولة كبيرة او تسعى لتكون عظمى!!!
ولم يبق إلا أن تكون السياسة الروسية الحالية مبنية على خطوات تكتيكية متعلقة بمصالح النخبة الحاكمة مرحليا.. وبوتين تحديدا..
والغريب أن تكون السياسة الداخلية لها قائمة على ترويج مقولات ونظريات من نفس نمط ما يطرحه النظام السوري (من أن هناك مؤامرة دولية عليها بهدف تفكيك الدولة الروسية نفسها وسحق دورها الدولي..) وذلك يدفعها الى التشدد المطلق للظهور بمظهر الممانع للهيمنة الأمريكية على العالم
والقيصر الروسي الجديد مغرم بهذا الدور، ويتقمصه جيدا على الاقل حتى العبور إلى مرحلة استعادة السلطة المطلقة بالانتخابات (التي ليست بعيدة عن الطريقة العربية قبل الربيع..)
فإذا كان ما قلناه صحيحا فسوف نشهد تغيرا ملحوظا في الموقف الروسي بعد الانتخابات.. وهذا ليس بعيد..
أما إذا استمر الموقف الروسي على حاله فسوف يكون قد انطبق عليه المثل العربي:
لكل داء دواء يستطب به................إلا الحماقة أعيت من يداويها 
يتبع  

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق