17‏/03‏/2012

سنة ثورة 2 "سقوط الرمز"

إن الأساس الثاني للنظم الاستبدادية هو قدسية الرمز الذي يكون غالبا رأس النظام وفي الحالة  السورية كان حتما رأس النظام وقد بذلت جهود كبيرة إعلامية وأمنية في سبيل بناء هذه الهالة القدسية حول صورة رأس النظام "حافظ" وصلت حدود التأليه.. وربطت اسم البلد باسمه وصورتها بصورته التي كانت تتصدر كل زاوية من زوايا مؤسسات الدولة.. وتتربع تماثيله وسط الساحات العامة والذرى المطلة على المدن.. لإعطاء الشعور بأنه موجود في كل مكان "تشبيها بالذات الإلهية"
وكانت تهمة الإساءة لشخص الرئيس يعاقب عليها بأشد العقوبات من قبل أجهزة الأمن قد تصل للتصفية الجسدية او السجن لمدة طويلة.. لخلق الرهبة اللازمة للحفاظ على النظام ككل وضمان تماسكه من خلال ذلك.. ولا يمكن أن ننكر أنهم نجحوا في ذلك إلى حد بعيد
وعندما جاء التوريث لبشار استمرت السياسة نفسها بالنسبة لرأس النظام، رغم محاولة تسويقه بشكل مختلف وأنه طلب عدم وضع صوره إلا في الدوائر الرسمية.. ولكن ما لبثت أن عادت حليمة.. بالأخص بعد 2003 وبتكريس سياسة "منحبك"
استطاعت الثورة السورية خلال أربعين يوما أن تدمر ما تم تشيده في أربعين عاما.. منذ اللحظة التي تم فيها تدمير تمثال المقبور في درعا ونزع صورة المخلوع عن نادي الضباط في حمص.. التي قوبلت بالإنكار من قبل إعلام النظام في البداية..
ولكن تدرج تصاعد هتافات الثورة من الإصلاح إلى الشعب يريد إسقاط النظام.. إلى الشعب يريد إسقاط الرئيس.. جعلت المعركة مكشوفة للطرفين.. ولكن الثورة قد أبلت بلاء حسنا –عن وعي أو عدم وعي- في تدمير الهالة القدسية حول بشار وأبيه أيضا.. فمن يوم خصص لإحراق الصور تم خلاله إحراق كم هائل من صورهما بطرق مبتكرة أمام العدسات.. إلى اليوم الذي خصص للعنة روح حافظ الذي حدد في ذكرى رحيله.. ولتصبح منذ ذلك اليوم أيقونة الثورة والهتاف الأكثر إثارة في كافة المناطق
وبين هذا وذاك جاءت حادثة مهمة كشفت حساسية ذلك بالنسبة للنظام.. ففي يوم من أيام الثورة المشهودة، في مظاهرة حاشدة في حماة، ظهر شاب يترنم بأغنية ساخرة تتناول رؤوس النظام مباشرة..
يومها سرت إشاعات أن النظام بأوامر من أعلى مستوياته يريد رأس هذا الشاب –الذي كان مجهولا يومها- بأي ثمن.. وبعد أيام وجد إبراهيم قاشوش مقتولا ومقطوع الحنجرة.. ليصبح أهم رمز من رموز الثورة.. ولتصبح أغنيته أيقونة من أيقوناتها الخالدة
لقد كانت صيحته الضربة التي أسقطت الزجاج المهشم على الأرض فأثار ضجيجه جنون النظام.. واتخذ قرارا انفعاليا جاء بنتائج عكسية تماما.. فقد لفتت نظر الثورة لأهمية الموضوع فكرست جهود خارقة في السخرية المفرطة من النظام بالأخص رأسه، عبر الأغاني ومقاطع الميديا والنكات.. دمرت صورته حتى بين الفئة التي من المفروض انها رصيده المتبقي، فحتى هتافاتهم أخذت نفس نغمة القاشوش كدليل على مدى عمق تأثيرها فيهم.. وصارت هتافاتهم  للرد على هتافات الثورة.. لقد أصبحوا بدور المنفعل في موقع الدفاع اليائس.. فالصورة الرمزية كالزجاج لا يمكن اصلاحه بعد تحطمه.. وانا على ثقة ان حتى كبار المنحبكجية في داخلهم تحطمت صورة بشار وانهم كلما سمعوا صوته يقولون تضرب.. وروح صلح حرف الإث.. ويتذكرون خطابات سونغا.. ونكات الحماصنة..
لم تحطم الثورة الهالة القدسية حول رأس النظام فحسب بل دمرت شخصيته تماما ودمرت أي بديل دكتاتوري محتمل.. ودمرت كل محرمات سياسة الاستبداد وحطمت مفاصلها..
وفي النهاية لا يفوتنا أن نذكر بأن أهم مساهم في عملية التدمير التي ذكرناها هو بشار نفسه.. فبكلامه وطريقة ظهوره وانفعالاته الشخصية.. كان مادة دسمة لمواقع التواصل الاجتماعي.. ومعين لا ينضب للسخرية المرة التي جعلت من المستحيل بقاءه على رأس نظام استبدادي.. لأنه لم يعد هناك إمكانية لحياة الاستبداد في سورية بعد عام من استمرار الثورة..
يتبع

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق