منذ اخر مرة كتبت فيها عن هذا الموضوع في تشرين اول الماضي برزت رموز، وتفجرت طاقات رمزية هائلة في مسيرة هذه الثورة المباركة
ولعل ابرزها شاب في العشرين من العمر لم يكن قبل الثورة سوى حارس مرمى، و الآن لا أظن أنني بحاجة لذكر اسمه لما بات يتمتع به من شهرة ورمزية كحارس للكرامة الوطنية في سورية
وهو شاب ربما ليس لديه عمق سياسي أو ليس لديه تجربة سياسية اصلا (مثل الكثير من شباب سورية قبل الثورة)، وربما لا يمتلك مستوى عالي من التعليم او الثقافة او إمكانيات فنية كبيرة.. مع ذلك فقد أصبح ملهما لجيل كامل، وأصبح مركز استقطاب تترقبه الجماهير وتتبعه في اي منطقة يخرج في مظاهرتها ليضفي عليها روحا عظيمة من الحماس والاندفاع بأهازيجه وهتافاته الرائعة
وقد ذكرت عبارة (الروح العظيمة) قصدا، وهي الترجمة الحرفية لعبارة "المهاتما" التي لقب بها غاندي.. وقد تذكرت حادثة مهمة في حياته، ففي أول مرة شارك فيها بمسيرة نضال شعبه، وكانت في جنوب إفريقيا حيث كان هناك الملايين من الهنود الذين جلبهم الاستعمار البريطاني للقيام بالأعمال التخديمية للطبقة الحاكمة والمستوطنين الشماليين.. وفي مهرجان خطابي احتجاجي صعد غاندي المنبر ببزة من الجوخ الإنكليزي وربطة عنق أنيقة، وهو المحامي العائد بشهادة الحقوق من أرقى الجامعات البريطانية.. وقد ألقى خطابا شاملا عميقا عن قضية شعبه.. قابله صمت مميت من الحاضرين!!
وعند نزوله عن المنصة قابله شاب في العشرين من العمر باللباس الهندي التقليدي، ليقول له: كلماتك رائعة، لكن ليس هكذا تخاطب الجماهير.. وليعتلي الشاب المنصة، ووقف غاندي بين الجماهير ليستمع الى بعض عباراته نفسها، لكن بصياغة مختلفة بسيطة، فتدمي أكف الحاضرين من التصفيق.. وتشق الهتافات عنان السماء
لقد تعلم غاندي ساعتها أن المعرفة وحدها لا تكفي، وان من يريد مخاطبة الجماهير يجب ان يستخدم نفس لغتهم.. وانه يجب ان يلبس نفس لباسهم (الذي لم يتخلى عنه حتى الطلقة الاخيرة التي انهت حياة جسده، ولتبقى روحه الروح العظيمة)
كما أدرك لحظتها أن مكانه الطبيعي في الهند.. وحال وصوله هناك قام برحلته الأسطورية إلى ألف قرية مختارة من المليون قرية الموزعة على طول القارة الهندية –التي استغرقت سنوات- ليتعرف على بلده قبل أن يتصدى لقيادة نضال شعبه للتحرر من الاستعمار
لم يكن ليستكبر أن يتعلم من شاب في العشرين محدود التعليم والثقافة.. وكم أتمنى لو أن بعض من يتصدون لقيادة نضال الشعب السوري العظيم أن يتعلموا درس غاندي.. ودرس الشاب عبد الباسط الساروت (روح الثورة العظيمة)
يتبع
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق