"بكر وتغلب..الظلم والظلم المضاد"
بعد معركة "تحلاق اللمم" التي هزمت فيها تغلب هزيمة ساحقة.. وأسر
معظم فرسانها وفي رأسهم المهلهل.. وتفرقت جموع الباقين.. وبعد أن وفا ابن عباد بعهده
وعاد إلى صفوف العزلة، عندها اسيقظ حلم كليب متجسدا في قاتله جساس ذاته، فعزم على
تنصيب نفسه ملكا على نفس حدود مملكة كليب التي مزقها سهمه سابقا..
ولكن جساس وقومه اللذين ذاقوا الذل والقهر والهوان على يدي المهلهل وقومه
سنين طويلة.. لم تردعهم مرارة طعمه عن ممارسته من جديد على أبناء عمومتهم.. فأمعن جساس
في إذلال رجالهم وقهر نساءهم سنين عددا
وكانت تبريره لذلك بحجة الظلم والحيف الذي وقع عليهم أيام كليب والمهلهل!!!
ولكن الأيام التي جعلها الله دولة بين الناس من الأزل إلى الأبد دون أن
يتعلموا هذا الدرس "على الأقل في وطننا العربي" ما كانت لتمهل جساس أكثر
بعد أن حان القدر، فجاءته الطعنة من حيث لم يحتسب.
فقد كانت الجليلة أخت جساس زوجة لكليب يوم قتله.. وفي بداية الأزمة كانت
انحازت لقوم زوجها على حساب أهلها ولكن بعد انتهاء المفاوضات ونشوب الحرب لم يطق
أبناء تغلب أن تبقى امرأة بكرية بين ظهرانيهم وقد سال الدم ولقحت الحرب الضروص
واشتعل الثأر غضبا
ورغم أن المهلهل كان يميل إلى إبقائها إلى جانبه لغاية في نفسه، لكنه لم
يستطع هو، ولم تستطع هي مقاومة الضغوط فرحلت إلى قوم أهلها مكرهة "يمكن على
زمانهم ما كان في شي اسمه الانشقاق عن القبيلة"
وكانت الجليلة قد كتمت عن الجميع خبر حملها من كليب.. ولما علم أباها وأخاه
بذلك.. أتموا لعبة القدر بأيديهم، فأحاطوا الأمر بسرية تامة حتى وضعت مولدا زعموه لجساس
وسموه الهجرس ابن جساس وعاش وتربى على هذه الحقيقة وصار فارس بكر وولي عهدها
وفي يوم من الأيام كشفت له الحقيقة، وصار في مأزق عاطفي رهيب "ولا
هملت تبع شكسبير" وفي نهاية صراع داخلي مرير قرر أن يدعوا خاله وابوه بالتبني
للمبارزة أمام الأشهاد، وما كان لعربي بدوي في ذلك الحين –حتى لو كان ملكا- ان
يستنكف عن ذلك وإلا لبسه العار والذل لأجيال
وبعد مبارزة طويلة بين عنفوان الشباب وخبرة الكهول قتل الهجرس أبوه بالتبني
ثأرا لأبيه بالنسب..
وبعد مقتل جساس انتفضت تغلب من جديد، فجمعت صفوفها وعزمت على القتال،
وراودوا الهجرس عن نفسه لينصبوه ملكا عليهم، لكنه رفض، وكان في حالة يرثى لها،
وقال هذه الحرب انتهت بالنسبة لي بعد ثأر كليب.. وحاول أن يثنيهم عن عزمهم للحرب لكنه
فشل.. ونشبت الحرب من جديد وانتصرت تغلب مرة أخرى.. وعادوا لظلم ابناء عمومتهم
بحجة أنهم ظلموا وذاقوا الذل والهوان على يدي جساس "مغتصب السلطة"
واستمرت غارات تغلب على بكر مرارا وتكرارا يقتلون وينهبون.. ولا يشتفى
غليلهم حتى قررت بكر في يوم من الأيام أن تهاجر بكامل جموعها وافرادها، بعد أن
استحال التعايش أو الصلح.. فهجروا جنوب جزيرة العرب إلى شمال سورية واستوطنوا في
المنطقة التي تسمى الآن "ديار بكر" وقد صارت جزءا من تركيا
" يعني الشباب صاروا أتراك ويمكن يصيروا جزء من الاتحاد الأوربي! بس
ما بعرف إذا لسى موروثات العقل العربي رح تضل مؤثرة فيهم؟ وإلا الله رح
يشفيهم؟"
هذا المرض العضال في العقل العربي تكرر عشرات المرات عبر تاريخنا، ويمكن أن
نسميه مفهوم "المظلومية التاريخية"
وهو أن يكون تبرير الظلم والعدوان بالمظلومية السابقة التي وقعت على الطرف
الأول وهكذا تدور الدوائر وتتكرر الأحداث مرة بعد مرة.. فالأموييون أمعنوا قتلا
وظلما لآل البيت والهاشميين.. وعندما انتصر العباسيون قتلوا كل من ينتمي لبني أمية
حتى الأجنة التي في الأرحام! والمماليك الذين استعبدوا في زمن الأيوبيين لما
استلموا زمام السلطة قد أمعنوا فيهم قتلا وإذلا.. وكان الأيوبيين قد قضوا على
الفاطمين في مصر ولم يكونوا رحماء مع خصومهم في الشام والعراق.. حتى العثمانيون لم
يقصروا في المماليك...
ولا شك أن مفهوم المظلومية التاريخية هو أكبر دافع ومبرر لكل الظلم والقهر
الذي مارسه حافظ الأسد ومن بعد بشار.. فماذا سوف يكون من بعده؟؟ وهل سوف نبقى في
هذه الدائرة الجهنمية حتى يقضي الله امرا كان مفعولا؟!
يتبع
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق