"حرب وائل.. من الهزيمة إلى النصر"
بعد مقتل وائل وصحوة ابن عباد واقتناعه بأنه لا يمكن السكوت على هذا الرجل
الذي يخوض حربا مدمرة لقبيلته أولا ولكل ما حولها من قبائل، ولن يسلم من شره أحد
بشكل مباشر او غير مباشر..
عندها شرع ابن عباد في تحريض كل القبائل القريبة والبعيدة للانضمام لقتال
المهلهل.. ولم يجد صعوبة كبيرة في ذلك انطلاقا من مشروعية الثأر في الواقع العربي
انذاك، لا سيما ان ابنه قُتل وهو أعزل وكان رسولا في قضية سلام.. وترسخت قناعة
الجميع أن المهلهل وصل ذروة الجنون في حرب مجنونة صارت تقوده هي، وليس يقودها هو!!
استطاع ابن عباد ضم الكثير من القبائل وجمع عددا كبيرا من الرجال في يوم
معركة وائل.. ولكن هذا العدد الكبير جدا -قياسا للطرف الآخر من بني تغلب وحدها- لم
يتم التنسيق بينهم أو تدريبهم أو وضع خطة محكمة أو قيادة واضحة.. ولكل كان قيادته
ولكل كان أهدافه الخاصة من هذه الحرب.. حتى لم يتم تعارفهم قبل الذهاب للقتال..
وكان المهلهل في الطرف الآخر يتابع هذه التحركات بعيني ثعلب بري ماكر، ووضع
خطة محكمة واضحة وبسيطة جدا وسهلة التنفيذ، ومفادها أن يقاتل جيشه ككتلة واحدة
متماسكة لبرهة قصيرة يوضع فيها أقصى جهد ممكن، ثم يبدأ انسحاب تدريجي لعناصره..
واختار مكان المعركة قرب تلة رملية استطاع جيشه الاختفاء خلفها وترك القبائل
الأخرى تتقاتل فيما بينها.. وحتى أدركوا الحقيقة المرة كانت هزيمتهم ساحقة..
بعد هذه الهزيمة الفاضحة التي دعت الكثير من القبائل للتراجع عن خيار
القتال بدعاوى مختلفة، كان أمام ابن عباد خيارات صعبة، بالأخص أن حالة التلاوم
وتحميل المسؤوليات التي تتلو كل هزيمة عربية كانت على أشدها بين الجميع.. لكنه رغم
تقدم العمر ووهن القوة وانحسار البصر، لم تهن عزيمته، ولم تعمى بصيرته.. وتعلم
الدروس بسرعة، واتخذ زمام المبادرة بدون انفعال أو تسرع، بحكمة وقوة.. فبدأ بترميم
الصفوف بجمع القبائل التي كان لديها القناعة الحقيقية بمشروعية وضرورة هذه الحرب،
ثم عمل على تشكيل قيادة واضحة محددة المهام.. وترسيخ القناعة بالحرب.. ورفع الروح
المعنوية عبر حملة اعلامية قوية موحدة الرسالة "بوسائلها البدائية طبعا"
واختار مظهرا واحدا لكل المقاتلين من كل القبائل ليتعارفوا به، وهو أن يحلقوا
شعرهم ولحاهم صباح يوم المعركة "وكان هذا غريبا عن عادات العرب"
ووضع خطة مبتكرة واضحة وقابلة للتنفيذ.. وقد تم تدريب الفرسان عليها لشهور،
ومفادها أن يقوم الفارس بحركة مباغتة اتجاه الخصم قبل أن يشهر سلاحه، وذلك
باحتضانه بقوة واقتلاعه عن فرسه ليلقي به أرضا، بينما تقوم مجموعات مشاة مرافقة
بأسره واقتياده فورا للصفوف الخلفية..
وفي يوم مشهود عرف في التاريخ العربي بيوم "تحلاق
اللمم" استطاع ابن عباد وجيشه "الأقل عددا" هزيمة تغلب
هزيمة ساحقة وأخذ من رجالهم الكثير من الأسرى من بينهم المهلهل نفسه بينما لاذ
الآخرون بالفرار..
يتبع
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق