26‏/10‏/2011

سياسة النكايا

صدق من قال: من راقب الأنظمة العربية مات هما.. فهذه الأنظمة بكل أنواعها (القومية.. العلمانية.. المعتدلة.. غير المعتدلة..) هي أبعد ما تكون عن الكلمة الموصوفة بها.. فلا يوجد لها مبدأ أو خط ناظم أو أسس سياسية.. يمكن من خلالها التنبؤ بخطواتها او سياساتها وقراراتها المستقبلية..
وغالبا ما تكون قراراتها مزاجية.. أو عبثية.. أو غير عقلانية.. وفي كثير من الأحيان يمكن أن ندرج سياستها تحت بند النكايا.. فمثلا نكاية بأمريكا ممكن أن ترتمي بأحضان روسيا.. أو العكس.. ونكاية بالشعب تعين أحط و أسوأ الشخصيات في المناصب المهمة.. وعلى رأي المثل الشعبي (نكاية بالطهارة...)
يعني سياسة ممقتة.. مستفزة إلى أبعد الحدود.. وتخرج الحليم عن طوره رغما عن أنفه.. فأذكر أن الشاعر الكبير إبراهيم طوقان من كثرة ما نكل به في فترة معينة قد خرج عن طوره وهجا الملك بقصيدة يقول في احد أبياتها:
لا تحسبن في ني.. جلالتكم لذة              لكن بعض الن.. نكايا
فمع اعتذاري من الشعب السوري الكريم الذي بصفة عامة يرفض الألفاظ النابية والأوصاف البذيئة.. وإن كنت ألاحظ في الآونة الأخيرة تزايد كبير في الفيديوهات المنشورة على النت في الخروج عن حدود المألوف.. وهذا ليس من المعروف عن شعبنا.. كذلك الحال كان بالنسبة لطوقان الذي لم يكن معروفا بالبذاءة في ألفاظه.. كما هو الحال مع مظفر النواب مثلا.. والذي رد في إحدى مقابلاته على سؤال (لماذا تستخدم ألفاظ بذيئة في أشعارك؟) قائلا: إني أبحث في القواميس جاهدا أن أجد كلمات تصف بذاءة الحكام العرب وسياستهم لكنني لا أجد ما يشفي غليلي..
وبما أن الشيء بالشيء يذكر على رأي الجاحظ: فبمناسبة فطسان العقيد القذافي أتذكر أنه عندما قال النواب جملته الشهيرة في الحكام العرب ( أولاد القح..) في قصيدة "عروس السفائن" انتقد وقتها لأنه يستثني القذافي – وكان يعيش وقتها في ليبيا – لذلك عندما أعاد قرأتها في المرات التالية جعلها: (أولاد القح.. لا استثني أحدا..) وأعادها ثلاث مرات ليعلم الجميع أن المقبور كان مشتملا غير مستثنى من كل الألفاظ التي أطلقها على القادة العرب.. اللذين وصفهم لحظة خروجهم من مؤتمر القمة الذي عقد أثناء مذبحة تل الزعتر – وهو ما ينطبق على وزراء الخارجية العرب بعد خروجهم من مؤتمر مناقشة مذبحة سورية مؤخرا – بقوله: خرج القادة من القمة آثار سحاق في جبهتهم.. (وأظن كلمة سحاق معروفة وليست بحاجة لشرح مثل تعبير "أولاد قراد الخيل" الذي اضطر مظفر النواب أن يشرح معناها في إحدى اللقاءات بأنها نوع من الحشرات تعيش في قفا الخيل وقد استعمل الكلمة الطبيعية للقفا التي تبدأ بحرف الطاء..)
وما كان ينطبق على تلك القمة الدموية ينطبق على هذه القمة مع بعض التحوير اللفظي وإن كان المضمون واحد فهو  تحميل المسؤولية للجميع دون استثناء.. فوقتها قال النواب: (..اتهم الماموس النجدي وتابعه.. ديوث الشام وهدهده.. قاضي بغداد بخصيته.. جرذ الأوساخ المتعفن في السودان.. ملك السفلس وحسون الثاني.. والمعوج بتونس من ساقيه إلى الرقبة.. والقاعد تحت الجذر التكعيبي فوق رمال دبي مشتملا بعباءته..)
فهل وفاهم مظفر حقهم من البذاءة؟!
بالمناسبة هل تذكرون مقالي (عودا على بدء) أوائل أيام الثورة؟ هو ليس متوفر على المدونة حتى الآن لكن سنحاول إرفاقه مع هذا المقال.. لأنني مضطر أن أقول  الآن: وعودا على بدء.. تعليقا على قرار بشار الأسد بتعين حسين مخلوف محافظا لريف دمشق بأنني أحاول جاهدا أن أجد ما يمكن أن يقال فب هذا المقام.. فلا أجد أحسن من بيت الشعر المنسوب لإبراهيم طوقان المذكور أعلاه.. مع الاعتذار للشعب السوري العظيم الذي أهدى الإنسانية ثلاثة اختراعات إعجازية (الأبجدية.. والذوق.. وحمص العدية).  

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق