زينب كانت وردة حمراء
وأنا كنت غرابا أسود يحثو التراب على جثة أخيه
ليعلمه معنى السلمية
زينب كانت غيمة بيضاء تأبى أن تمطر
وأنا أرض عطشى تشققت من طول الجفاف
تنتظر زينب صوت استغاثتي
وأنا انتظر دموعها
والزمان يمد جناحيه بيننا بدون حدود
زينب كانت حمامة تنوح قرب نافذة أبي فراس الحمداني
وأنا كنت في الزنزانة المجاورة.. لكنها لم تراني
لم استطع الصراخ.. كي لا يسمعني الجلاد
ويطلق طلقته الأخيرة على صوت اليمام..
ليكسر ضجر الزنازين المتحجرة
زينب هربت قبل بزوغ الفجر..
وأنا كنت أحاول إزاحة بقايا الظلمة
لبست قبعة الإخفاء الأسطورية
كي لا يخطفها الشبيحة
وأنا أتمدد على أرض الزنزانة مذبوحا
زينب طارت مثل فراشة.. تسعى للنور ولا تخشى النار
وأنا يسكنني البرد ليل نهار
جاءت زينب في الليل إلى المشرحة خلسة
جاءت متخفية تبحث عن جثتي في الثلاجة
كنت أناديها بصوت خافت..
لم تعرفني من بين القتلى
أو ظنت أني مختبئ.. وأننا نلعب (طميمة)
لم تسمع صوتي.. وجاءوا فجأة
زينب خافت.. واختبأت في إحدى الثلاجات
واستلقت قربي على بعد نظرات
أحاول أن أتغلب على موتي..
أحاول أن أمسك يدها المبتورة
وكانت أجمل.. أجمل من كل مرة
زينب صارت قطعة (دندرمة) حمصية
وأنا طفل يبكي من أجل قطعة (دندرمة) شهية
* * *
زينب جاءت أواخر الربيع ثمرة يانعة
وكانت أسناني متهالكة منخورة
أربعة عقود لم استعمل فيها فرشاة الأسنان
أربعة عقود بلا شمس أو نور
وهن العظم مني.. واشتعل القلب شيبا
في ظلمة الزنازين الأثرية..
كادت تنفذ أحلامي.. وكاد يتساوى النوم مع الموت
أصحوا منتصف الليل على وقع خطوات جذلى
هاربة من بين الأموات
يغمرني فرح بارد..
يغمرني صدى أصوات الحرية
تضيع زينب في الزحام .. بين الصرخات
وتذهب كل صباح لتضع على قبرها باقة ورد جورية
وذات مساء..
تظهر زينب على شاشات التلفاز.. تقرأ ورقة نعوتها
وأنا أبكي.. أبكي
زينب تحدق في لا شيء.. وتعد أصابع كفيها مرارا !!
وأنا أضحك..
زينب تدقق بيانات هويتها.. كأنها تراها لأول مرة
هل أنت زينب ؟؟؟
لم تسمع صوتي ثانية
ألملم أشلائي.. ألملم كل حبالي الصوتية..
وأصرخ من تحت ركام الزلزال.. أصرخ: زينب..
زينب، هل أنت حية ؟؟!
لاذت بالصمت
زينب هل أنت حية !؟!
لاذت بالدمع
زينب هل أنت حية !!؟
لاذت بال..
وأنا أبحث عن حنجرتي المقطوعة لأعيد رسم علامة الاستفهام
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق