08‏/10‏/2011

الرمز والطاقة الرمزية في الثورة السورية ج 2


بعد اطفال آذار درعا اللذين كانوا الصاعق المفجر لحركة الاحتجاج والمحفز لتوسيعها.. وبعد جمعة الكرامة وعدة جمع أخرى جاءت حادثة تسليم جثة الطفل حمزة الخطيب لذويه وعليها آثار تعذيب وحشي وتمثيل بجثته و مؤكد أن رسالة النظام وأجهزته الأمنية كانت واضحة: بأن التعذيب والتنكيل سيكون بلا قيود وبلا حدود إذا ما استمرت الحركة الاحتجاجية، و أنها لن تستثني كبيرا ولا صغيرا..
لكن سياسة العلاج بالصدمة الذي اتبعته الاجهزة الامنية جاء بنتائج عكسية تماما فالرسالة المعاكسة من الشعب كانت الاصرار وبعد حادثة هاجر الخطيب وسامر الشرعي وغيرهم جاءت جمعة أطفال الحرية التي كانت نقلة نوعية في مسيرة الثورة من حيث التوسع العددي والجغرافي.. واصبح حمزة الخطيب احد ايقونات الثورة وصوره الاكثر انتشارا وتأثيرا على مواقع التواصل الاجتماعي..
ودخلت حماة على خط الثورة متأخرة عن المتوقع.. واسمها وحده يحمل من الطاقة الرمزية والتأثير في الوجدان السوري ما لا يمكن وصفه.. ومع دخولها المشرف الذي تصاعد بسرعة خارقة لتصل لمظاهرات تعد بمئات الآلاف.. واثناءها ظهر شاب يترنم بأهزيج متميزة تناولت مثلث الشر (بشار، ماهر، آصف) بشكل مباشر وبسخرية لاذعة.. ولم يكن معروفا آنذاك.. وبعد أيام وجد مقتولا على ضفة العاصي وقد جزت حنجرته.. عندها عرف العالم إبراهيم قاشوش الذي أصبحت أغانيه ملازمة لكل فعاليات الثورة وصار ملهما للعديد من الشباب في كل المحافظات.. وفي غضون ثلاثة أيام من استشهاده أصبح اسم إبراهيم قاشوش الكلمة الأكثر بحثا على محرك غوغل على مستوى العالم.. مما يؤكد أن مستوى تأثيره ورمزيته قد تجاوز المستوى المحلي والعربي.. لقد دفع حياته ثمنا ليكون الرمز الأهم  والأجمل للثورة السورية..
كانت مدينة داريا في ريف دمشق منذ بداية حركة الاحتجاجات متميزة من حيث التنظيم واللافتات.. والأهم هو الإصرار على السلمية والحضارية في الطرح والتعبير رغم القمع العنيف.. وكانت مشاهد توزيع المياه والزهور للجيش كافية ان تجعلها رمزا لسلمية هذه الثورة.. ولكن لم تنل هذه المدينة المناضلة نصيبها من الطاقة الرمزية حتى استشهاد البطل غياث مطر.. تحت التعذيب في فرع المخابرات الجوية.. وبما ناله من اهتمام شعبي وعالمي وصل لدرجة حضور أربع سفراء لعزاء اهله.. وحجز مساحات مهمة في الإعلام العالمي وتقارير المنظمات الدولية فأعاد تسليط الأضواء على نضال داريا وريف دمشق وكل مدن سورية الثائرة.. وأصبح اسم غياث مطر رمزا حقيقيا لسلمية الثورة السورية وحضاريتها.. وأعاد فتح ملف التعذيب في أقبية العصابات المسماة بالأجهزة الأمنية على مصراعيه..
زينب الحصني: قصة سيرويها التاريخ.. ففي البداية كانت حمص!! تلك المدينة الوادعة التي ابدت خلف رقة ملامحها إصرارا غير محدود على نيل الحرية لنفسها ولوطنها كله مهما كانت التضحيات.. وقدمت ما لا يمكن لأحد ان ينكره.. واستطاعت ان تتجاوز كل الافخاخ التي نصبت لها، وفي رأسها الفتنة الطائفية..
وذات يوم من الأيام تصحو على فاجعة بتسليم جثة فتاة مقطعة ومشوهة لآل الحصني على أنها ابنتهم زينب ودفنت في جنازة تحت وابل الرصاص الشبيح.. وقد فعل هذا المشهد فعله الرمزي الكبير حيث أصبحت زينب رمزا لهمجية ووحشية نظام مجرم ورمزا لمساهمة وتضحيات المرأة السورية في هذه الثورة.. ونالت نصيبا واسعا في الإعلام واهتماما كبيرا من المنظمات الإنسانية.. وكانت قوة دافعة مهمة في مرحلة حساسة من الثورة كان النظام يحاول بكل قوة أن يروج لفكرة أن الثورة قد دخلت مرحلة الأفول..
وبعد أسابيع.. عرض التلفزيون السوري مقابلة مع فتاة يدعي انها زينب الحصني وانها حية ترزق.. وقد حاول تسويقها على انها ضربة قاسمة لمصداقية كل الأخبار التي أذيعت وبثت عن سورية سابقا (عبر قنوات ومواقع التحريض حسب وصفه)
ولكن زينب وقصة زينب أخذت منحا رمزيا جديدا أكبر تأثيرا وعمقا في دلالاته.. ففي المرحلة الاولى كان الرمز والطاقة الرمزية عاطفية في الدرجة الاولى.. أما المرحلة الثانية فقد فتحت أبواب الأسئلة الكبرى..
كيف يمكن احتمال او التعايش مع هذا النظام الذي يستهتر بأرواح ومشاعر المواطنين بهذا الشكل المريع!!؟ وكيف يمكن أن يزور كل شيء بهذه البساطة!!؟
شهادة وفاة.. شهادة حياة.. شهادة جنون.. ومصير مجهول!!..
 همجية.. قسوة.. فساد.. استهتار.. حماقة.. سوء إدارة.. مواصفات حكم بها هذا النظام سورية خمسة عقود لم تعد قابلة للزيادة حتى لأسابيع
لقد أصبحت زينب الحصني ميتة اوحية رمزا لحياة شعب قاسى مرارة الاستبداد عقودا وقد أراد الحياة والحرية
يتبع

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق