30‏/06‏/2011

حالة انعدام الوزن

كان لقبول المفكر اليساري الكبير ميشل كيلو اللقاء للحوار مع اللواء بهجت سليمان – أحد أبرز القادة الأمنيين- في أوج الحراك المدني 2000-2001 أثر الصدمة الكبرى علينا كشباب متحمس كان لدينا تفاؤل كبير بذالك الحراك، ومن هول الصدمة آنذاك أطلقنا عليه لقب ميشل نصف كيلو.. وقد توقف الحراك على النحو الذي تعرفونه، بإيقاف المنتديات الثقافية التي كانت المحرك الرئيسي له.. واعتقال من سموا بالعشرة الأفاضل وقتها مع ملاحقة الآخرين.. وحتى الاستاذ ميشل قد اعتقل على خلفية توقيعه على إعلان بيروت دمشق –المثير للجدل- في وقت لاحق.
وعندما سمعت بقبوله اللقاء مع بشينة ثعبان قبل أسابيع عادت إلي ذكريات السوء من جرح غائر فأطلقت عليه لقب (مبشل نصف أوقية).. واليوم عندما علمت أنه حضر مؤتمر اللقاء التشاوري في فندق سمير أميس سأطلق عليه لقب (ميشل نصف غرام) .. وفي حال أنه استجاب لدعوة النظام للحوار المزعوم  في 10 تموز سأطلق عليه لقب (ميشل حالة انعدام الوزن).
قد تستهجنون أو تستغربون لماذا هذه القسوة اتجاه الأستاذ ميشل بالذات من بين الحضور الذي تجاوز المائة؟!
وأجيب بأن هناك سببين مهمين:
أولهما: أنني لا أستطيع إيجاد عذر لرجل مثل الأستاذ ميشل لديه خبرة سياسية كبيرة في أحزاب وحركات اليسار المعارض، وفي جمعيات وهيئات مدنية أخرى، وأكيد أنه لا يخفى عليه مدى المخاطر والمحاذير.ز والمدلولات السياسية لهذا اللقاء.
فهو ليس كالأستاذ جودت السعيد أو الدكتور محمد العمار أو الأستاذة حنان اللحام.. أو غيرهم ممن لهم نشاطات ثقافية أو دينية دون خبرة أو تجربة سياسية فهذا قد يشفع لهم، وليس كبعض الشباب الذين يدفعهم الطموح المشروع للمساهمة في رسم مستقبل سورية، دون أن يكون لهم اسم كبير أو خبرة واسعة.
ثانيهما: وهو ما سيجبرني أن أكشف سرا من أسرار الحراك السوري مطلع القرن الحادي والعشرين، لا يعرفه إلا الذين كانوا في قلب الحدث، ويعلمون بعض ما كان يجري في كواليسه، ولكن يدفعني رغبة قوية في أن يتجاوز شعبنا واحدة من أهم أسباب انتكاسة حركة المجتمع المدني في سورية (عدا عن القمع المفرط من قبل السلطة التي كانت القاسم المشترك الأعظم بين أسباب فشل كل المحاولات السابقة) فقد كان الخلاف والنزاع الخفي وقتها بين الأستاذ ميشل والدكتور عارف دليلة على التصدر والتزعم لذلك الحراك سببا مهما في التصدع أيضا، وقد صرح كل منهما بشكل منفرد بأنه الناطق الرسمي باسم حركة لجان إحياء المجتمع المدني –التي كانت قيد التشكل- وقد أدلى كل منهما بتصريحات علنية لوسائل الإعلام بهذه الصفة دون تفويض مما أثار بلبلة.. وقد تم الاتفاق على إجراء انتخاب لاختيار شخص واحد للتصريح تجنبا لهذا الاختلاف، وقد سعى كل من ميشل وعارف –مع حفظ الألقاب- لعملية تجيش في الكواليس بطريقة لا تختلف كثيرا عن أساليب السلطة.. وتبادلا الضربات تحت الحزام.. وقد عقد كل منهما اجتماعا منفصلا للمريدين.. وكان هذا أحد أهم الأسافين التي قوضت المشروع، وكان كلا منهما يسعى لاستمالة النائب الحر رياض سيف كشخصية مقبولة ومتفق عليها من الجميع.. وقد أطلق كلاهما إشاعات أنه لا يمتلك الخبرة السياسية والعمق الفكري لقيادة هذا الحراك..(نفس ما يقال عن التنسيقيات الآن)
وكان الخلاف يزداد مقوضا الحركة من الداخل بين من أرادوا رفع السقف من معسكر الدكاترة (وليد البني، كمال لبواني، عارف دليلة..) ومجموعتهم وبين من أرادوا خفض السقف من معسكر الأستاذ ميشل.. وجاء قرار السلطة بإطلاق رصاصة الرحمة على ذلك الحلم الذي عشناه في ربيع دمشق.
وبعد اعتقال العشر جاء لقاء ميشل بهجت سليمان ليضفي مزيدا من الشكوك والأسئلة!!
في ذلك الوقت كان الحراك محصورا في أوسط المثقفين وبقايا حركات سياسية تحمل إرثا لا ينتهي من الخلافات والصراعات والشكوك.. حالت دون تحوله لحركة شعبية تستطيع الخروج خارج الجدران  والأبواب المغلقة إلى الشوارع والساحات.
أما الآن فنحن أمام حالة معاكسة تماما، فهناك حراك بل غليان يملأ الشوارع والساحات في كل المحافظات السورية.. وربما يكون سعي النظام الأساسي الآن لإعادته إلى قمقم الجدران المغلقة والسقوف المنخفضة كسقوف الزنازين في أقبية النظام.
لذلك أتوجه لشعبي الكريم للثائرين في الساحات للعاملين على الأرض المفتوحة.. أن لا يقيموا  لهؤلاء وزنا، فكثير منهم يعانون من حالة انعدام الرؤيا أو حالة انعدام الوزن، وهم مدمنون على الاختلافات والانشقاقات والجدل العقيم غير المنتهي والنقاش غير المثمر..
فالآن لدينا فرصة كبيرة لشباب هذا الوطن لتجاوز النظام القائم والمعارضات المدجنة في آن واحد، والآن نحن نمتلك وحدة الدم على تراب الوطن، والسقف قد تم تحديده بوضوح (الشعب يريد إسقاط النظام) في حين أن هذه الحالات من المعارضة هي الوجه الخلفي لعملة النظام التي قرر الشعب حرقها واستبدالها بعملة جديدة مكتوب عليها (الله.. سورية.. حرية وبس).

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق