05‏/12‏/2012

قائدنا للأبد.. "2"


وصلنا في الجزء الأول إلى انتشار شعار "قائدنا للأبد سيدنا محمد" وهو منتمي إلى نوعين كنا قد ذكرناهم في الجزء الاول في آنٍ معا، الاول انه مستورد من الخارج ومن فترات سابقة على الربيع العربي حيث تم رفعه في أكثر من قطر عربي في مظاهرات محدودة لقوى إسلامية سلفية في الغالب "وان يكن هذا ليس عيبا في حد ذاته" والثاني أنه من نوع الشعارات التي فيها إحلال أو استبدال للقائد الديكتاتور –وهو في سورية حافظ الاسد- باسم النبي الأعظم "ص" وأظن أن هذا عيبه الأكبر باستبدال ما هو مدنس بما هو مقدس، وما هو دنيوي بما هو ديني في توظيف سياسي واضح.. وخروج عن نمط الشعارات الثورية -التي غالبا ما تكون جماعية عامة- إلى نظرة فئوية أو فصائلية.. مستغلة رمزا مقدسا في المجتمع والتاريخ العربي.. في محاولة -واعية أو غير واعية- لإضفاء هذه القداسة على فصيل أو تيار سياسي، ولتحقيق مكاسب سياسية أو استدراج تعاطف شعبي ولو كان –بوعي أو عدم وعي- بزج رمز مقدس "بل الأكثر تقديسا بعد الله" في مجال الجدل السياسي الذي هو بطبيعته أبعد ما يكون عن القداسة أو التنزيه

إن السياسة و الفعل السياسي هو شأن دنيوي بالدرجة الاولى، والرسول "ص" قد قال: "انتم أدرى بشؤون دنياكم" ولكن هذا الجدل مثار منذ بداية عصر النهضة العربية في العصر الحديث بين دعاة العلمانية وأنصارها والمقاربين لها من جهة، وبين التيارات الإسلامية بكل تلويناتها من جهة أخرى، وهي التي تبنّت مقولة أصبحت بحكم المسلّمة لديها: "الاسلام دين ودولة" وظل المجتمع العربي بشكل عام بغالبيته الساحقة خارج هذا التدافع الفكري والثقافي والسياسي، وقابعا على رصيف الصمت السلبي او الإيجابي

وإن كان من غير الممكن إنكاره أن التيارات الحداثية والعلمانية لم تستطع كسب عقل المجتمع العربي أو قلبه خارج بوتقة ضيقة من المثقفين أو المتثاقفين، والذي زاد الطين بلة أن النخب التي حكمت البلاد العربية لعقود باسم هذه التيارات قد ارتبطت ارتباطا -لا يمكن فصله بسهولة- بالدكتاتوريات العسكرتية بمنظوماتها الأمنية وبالفساد ومنظوماته المافيوية التي نهبت خيرات البلاد والعباد.. وهذا ما سوف يؤثر على مستقبلها السياسي لسنوات، ما لم تستطع إثبات انفصالها العضوي والفكري عن تلك المنظومات بشكل واقعي يستطيع إقناع الشارع العربي بوضوح وبشكل مبسط بعيدا عن الفزلكات الفكرية والنظرية الجافة المنفصلة عن واقعها أو المتعالية عليه "ولا أظن ذلك سيكون قريبا"

ولكن أيضا التيارات الدينية استطاعت أن تكسب قلوب فئة غير قليلة من المجتمع لكنها لم تستطع حتى الآن كسب عقله.. بل إنها لم تحاول جديا مخاطبة عقله أصلا.. "وأظن أن ذلك من خوفها أن تخسر الاثنين معا"

ليس لدي شك أن المرحلة القادمة سوف تكون مرحلة الاسلاميين في كل الدول العربية.. لكن طول ونجاح تلك المرحلة مرهون بشكل أساسي بقدرتها على مخاطبة العقل المجتمعي وتلبية احتياجاته المادية إضافة لاحتياجاته العاطفية المتمثلة في بحثه الدائم والمشروع عن شكل للدولة والبنية السياسية غير مفصولة عن تاريخه وتراثه الحضاري "الذي بني وعيه الفكري على رؤيته مجيدا مشرقا بكل ما كان فيه إبان عصره الذهبي الذي كان مرتبطا ارتباطا عضويا بالدعوة الاسلامية وانتشارها"

وأنا أرى أن التأييد الكبير الذي تناله هذه التيارات مشروع ومفهوم من هذا الباب الذي يلبي تطلعا أصيلا لمجتمع عظيم تحدوه الرغبة في التميز والتواصل مع تراثه ودينه أيضا

ولكن أهم ما يجب الانتباه له من قبل هذه التيارات أن هذا غير كاف ولا ضامن لاستمرار هذا التأييد فالشعارات في النهاية لا تطعم خبزا بحد ذاتها، والشعارات لا تضمن للمجتمع أن تبقى هذه التيارات مفصولة عن المنظومات التي أساءت حكمه وسياسته لعقود، وفي رأسها الديكتاتورية وتهميش المجتمع وإبعاده عن المشاركة في صياغة مستقبله ورسم سياساته، وإن اختلفت الأشكال والمسميات، بل ربما تكون النتائج أسوأ في حال بناء منظومات مستبدة سياسيا، ومضافا لها صفات القداسة الدينية التي تلغي حتى هامش التعبير الذي كان متاح في بعض الدول في ظل الاستبداد المتستر بالعلمانية والحداثوية المزعومة

وكذك الفساد بمنظوماته المتنوعة، فالفساد ليس مجرد نهب الثروات والسرقة والرشوات.. بل يتعداها إلى التمييز –غير المشروع- بين المواطنين على اسس مذهبية او حزبية.. وعدم القدرة على الإنجاز وتلبية الاحتياجات المعيشية والاقتصادية والثقافية.. وعدم النقد والتطوير لتجاوز الأخطاء واستبعاد المقصرين أو عدم الاستفادة من الخبرات والطاقات الكامنة لدى المجتمع العربي.. والأسوأ أن يتم تغطية ذلك بحج ومبررات غيبية أو تفسيرها بعقلية تآمراتية..

واضرب مثلا هنا يتمثل في رد الرئيس عمر البشير على المنتقدين لنظام حكمه –المحسوب على الأسلاميين- فيما يتعلق بعدم تحقيق ما يذكر في مجال مكافحة الفقر وتحقيق التنمية بعد سنوات من حكمه "الاسلامي" بقوله مستشهدا من القرآن الكريم "النص المقدس للمسمين كافة": لنبلوكم بشيء من الخوف ونقص من الثمرات والأنفس

وعودا على بدئ نرجع من حيث انطلقنا شعار "قائدنا للأبد سيدنا محمد" لنناقشه كنص بشري نسبي وليس مطلقا لا يأتيه الباطل..

يتبع

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق