31‏/12‏/2012

حكم وأمثال الثورة السورية في 2012


اعمل لثورتك كأنها تبقى أبدا.. واعمل لنصرك كأنه آتٍ غدا

 

احذر وأنت تقاتل الماضي أن تقتل المستقبل.. واحذر وأنت تقاتل الشياطين أن تبيد الملائكة

 

النصر يصنعه نحن.. ولا يصنعه أنا

 

يستطيع النظام ان يقتل في يوم واحد ألف ثائر.. لكنه لا يستطيع في ألف يوم أن يقتل ثورة واحدة

 

الأجساد تنزف فتموت.. وسورية تنزف فتعيش

 

لا تسقط نظاما وتأتي بمثله.... عار عليك إذا فعلت عظيم

 

كل الناس يولدون أحراراً إلا في سورية فإنهم يموتون كذلك

 

الصمت في زمن الثورة عورة

 

درهم عمل خير من قنطار علاك

 

لا يكلّف الله ثورةً إلا وسعها.. و وسعها بأمر الله لكن بأيدي الثوار يوسعونه بما شاء

 

كثيرون مع الثورة.. قليلون مع الوطن

 

النظام لا يتسع لأحد.. أما سورية تتسع الجميع

 

بشار لم يعتبر بمن قبله.. لكننا سنجعله عبرة لمن بعده

 

كل المستبدين كانوا جديرين بالثورة ضدهم!!  إلا بشار ليس جديرا أن يكون ندا لثورة الكرامة

 

ما اختلى الروس والأمريكان إلا كان ثالثهما الشيطان

 

الثورة مثل الرواية.. أصعب ما فيها هو ابتكار نهاية لها

 

وطن بلا عيد خيرٌ من عيدٍ بلا وطن

 

لا نخشى أن ينتهي العالم في 2012 .. لكننا نخشى أن يستمر كما هو

 

من لم يمت بالقصف مات بغيره.... تعددت الأشكال والمجرم واحد

 

أيها الناتو إليك المشتكى...... قد دعوناك وإن لم تسمعِ

لم يكن وعدك إلا كذبا.....في الخفا أو خدعة من خادعِ

 

اللي بيساوي ثورته بالديون.. بده يدفغ عالحرية فائدة

 

الثورة اللي بتندلع.. لا ترد ولا تستبدل

النقد ممنوع والعتب مرفوع.. وسكرنا وجبر الله

 

 

26‏/12‏/2012

*قصيدة التوحيد*


 

قل هو الله أحدْ

يُفني الأسدْ

الذي خرّبَ البلدْ

وفيها قد فَسَدْ

وعاث واستبدْ

من الوالد إلى الولدْ

والجرو نجاسته أشدْ

وإجرامه أشدْ

وغباءه أشدْ

وزبانيته عقدةٌ من العُقَدْ

خليطٌ من الإجرام والحِقدْ

والحمق واللؤم والحَسَدْ

وردوا في القتل كل مورِدْ

كفروا بالله وشطّوا شطاً بَعُدْ

وقالوا: الأسدُ أو لا أحدْ

فقلْ هو الله أحد

يفني الأسد

ومن عَبَدَ الأسدْ

ومن ناصر الأسدْ

ومن تبِعَ الأسدْ

عنهم لا مَرَدّْ

من حساب الشعب الذي انتفضْ

وعلىى الجمر قد قبضْ

يوم تجلّى ربيع العربْ

ووعدُ الحرية اقتربْ

وجاءت مختالةً تطلبُ مهراً غاليا

فوقفنا صفاً بصدورنا العارية

وقلنا خذي ما شِئْتِ من دمنا ومالنا

وأعيدي لنا عِزَّتنا وكرامتنا

فبكتْ من فرطِ الشوق فوق أكتافنا

وبللت بدمع العزة أطرافنا

وقالت هو الله أحدْ

فلا تخافوا وامسحوا المستبدْ

ثورتكم وُلِدتْ يتيمةً

لن يدعمها أحدْ

لكن اللهَ هو الصَمَدْ

وإنكم لمنصورون لا مَرَدّْ

ولكن لا تسرفوا..

وإياكم.. ثم إياكم

خطيئةَ يوم أُحُدْ

 

20‏/12‏/2012

قصيدة قلق


قل أعوذ برب الفلقْ

من شر القلقْ

ومن شرِّ الشجبِ والامتعاض

والإدانة.. والاستنكار

وكل قرار من ورقْ

لا يغني من جوعٍ

ولا يسد الرمقْ

قل أعوذ برب الفلق

من شر الأمم المتحدة

وجمعييتها المتجمّدة

ولجانها المترهِّلةِ

إلى مجلسها المهترئِ

وقبعاتها الزُرُقْ

قل أعوذ برب الفلق

من شر الناتو..والمارينز

وولي ستريت.. وداو جونز

وهوليود.. وأفلام الكابوي

ومارلبورو.. والجينز

وأفلام الرعب.. وأفلام الفِسقْ

وكل خيوط اللعبة

ما اجتمع منها، وما افترقْ

محبوكةٌ وثاقاً على وَثَقْ

من أخمص أقدام الضعفاء

إلى العُنُقْ

قل أعوذ برب الفلق

من شرِّ حاكمٍ إذا فَسَقْ

ذبح الشعب وما رَفِقْ

شرد النساء والأولادْ

قصف السهولَ والوهادْ

سجن الشباب والكهولْ

دمر البيوت والحقولْ

احرق بحقدٍ البلادْ

ثم بناره احترقْ

قل أعوذ برب الفلق

من شرِّ بوقٍ إذا نَطَقْ

نَطَقَ عن الهوى

وضلَّ السبيلَ والنسقْ

ومن شرِّ كل شبيحٍ كلبْ

تبّتْ يداه ووجهه وتبّ

ومن شر كل منحبكجي..

وكل صامت ومتفرج ومصلحجي

باع الكرامة.. ونسي الشهامة

اواتبع هواه.. وأوهامه

أو كالبهيمة قد نَفَقْ
في سبيل حكم طغى وفسق
وأمن مكر الزمان ووَثِقْ
فجاءه أمر الشعب بغتةً
فحقَّ الحقُ والباطل زَهَقْ

 

 

 

 

 

19‏/12‏/2012

فيض الحياة


* قصيدة رثاء للشهيد يوسف الجادر "أبو فرات" *

"وفاضَ.. وفاضَ.. وفاض الإناءُ"

وفاضَ.. وفاضَ الفراتُ

فوق جراح كلماتي

فاض الفراتُ

فوق أشلاء الحزن

وأشلاء اليأس

فوق آمالي وانكساراتي

فاض الفراتُ

قبل الآوانِ

قبل موسم الحبِّ

وشبق الأغاني

قبل موسم القمحِ

قبل بزوغ الزهرِ

قبل يوم الفتحِ

قُبيلَ طلوع الفجرِ

ورفع الآذانِ

فاض.. وفاض الفراتُ

فوق دمعي ودمه

فاض الفرات

فوق كلماتٍ هزّت كياني

فوق رصاصةٍ بلا عقلٍ

بلا بصرٍ، بلا سمعٍ

بلا قلبٍ، بلا وعي.. ولا خجلِ

أفاضت..

أفاضت.. لساني

أفاضت بياني

وفاض الفراتُ

قبل الأوانِ

يمحو قسمات الماضي

ويهبُ الروح لخصبٍ تالي

 

 

 

12‏/12‏/2012

دستور من خاطركم 2


وقد أُثير هذا الجدل أيضا في الولايات المتحدة عند تأسيس الدولة المستقلة، هل من الضروري كتابة دستور أم لا؟

وفي النهاية، وبحكم التجربة الخاصة توافق الآباء المؤسسون على كتابة نص دستوري مفتوح..عام ومرن.. يحدد المبادئ الأساسية فقط التي تقوم عليها الدولة وعلاقاتها.. لذلك لم يضطر  الأمريكيون إلا لتعديلات لا تتجاوز عدد أصابع اليد عبر ثلاثة قرون من عمر الدولة تناوب عليها أكثر من خمسين رئيسا!

أما في الواقع العربي فقد كان اتجاه آباء النهضة العربية بانتقاء المدرسة الفرنسية دون غيرها بحكم أن الاحتكاك الأول مع الحضارة الغربية كان عبر الحملة الفرنسية على مصر، والتي لم تكن حملة عسكرية فحسب، بل حملة ثقافية مكثفة أيضا سعت لخلخلة مفاهيم المنطقة العربية الثقافية والاجتماعية أيضا، عكس ما فعله الإنكليز اللذين كان همهم السيطرة العسكرية والاقتصادية فحسب، هذا من جهة أولى أما الثانية فكانت اختيار محمد لفرنسا لإرسال البعثات التعليمية الاولى إليها فتخرج من جامعاتها الرعيل الأول الذي لعب دورا في تكريس هذا الاختيار الانبهاري دون دراسة معمقة للفوارق، ودون تجربة خاصة تكرسه على أرض الواقع.. ومن هنا نلاحظ انتقال مفاهيم "قوة القانون.. سيف القانون.. سقف القانون.." إلى الوعي العربي دون مناقشة جدية لانعكاسه على الواقع، ودون إدخال هذه المفاهيم في عمق الثقافة العربية ووعيها الشعبي

وانشغل آباؤنا المؤسسون لعصر النهضة بصياغات قانونية ودستورية قوية وبراقة.. لكن في الحقيقة لم يكن لها أي مردود على الأرض.. فبقيت كل الدساتير والقوانين حبرا على ورق، وليس لها أية قوة كما كانوا يتخيلون

فدستور عام 23 في مصر الذي جاء بعد ثورة زغلول كان من أروع ما يكون من حيث الصياغة.. لكنه ظل بعيدا عن الواقع المصري حتى ثورة يوليو 52 التي جلبت مفهوم جديد لكنه لا يختلف بفوقيته واتخاذه نفس المنطق الذي يؤمن بأن فرض البنية الفوقية سوف يؤدي الى تغيرات في البنية التحتية بمفاهيم كانت براقة "الكفاية والعدالة.. تذويب الفوارق.. المساواة.. الوحدة" ولكنها أيضا ظلت حبرا على ورق لم يطبق منها شيئا يذكر على أرض الواقع، ولم تدخل في مفاهيم الوعي الشعبي الذي  كان من المفترض أن يكون حاملها الأساسي.. وهكذا دوليك

فالشق واسع بين ما قاله الانكليز: أن القانون ضعيف وعلى الناس حمايته.. وأن النصوص ميتة و على الناس بث الروح فيها.. وبين ما قاله الفرنسيون: أن القانون قوي، ويفرض نفسه على الناس بمجرد صياغته وإقراره

وبين ماضي نراه ونؤمن أنه كان مجيدا، وحاضر نشعر أنه أليم.. مازلنا نبحث عن أنفسنا دون أن نخوض تجربتنا الخاصة التي تؤسس دولنا وتؤسس لنهضة لها من الأصالة ما يجعلها تدخل في عمق وعينا ولنطبقه على أرض الواقع قبل صياغته على الورق!

فماذا يفيدنا أن يقر الدستور بمساواة المواطنين؟ إذا كان التميز يقبع في عمق ممارستنا السياسية والاجتماعية! من التميز على أسس الطائفية أو العائلية أو القبلية أو الحزبية أو المناطقية..

وبماذا يفيد أن نقر بحقوق الإنسان في النصوص؟ دون أن يكون هناك قناعة لدى "الشرطي ورئيس المخفر والموظفين.. إلى المسؤولين.." بضرورة احترام هذه الحقوق وأن يتعاملوا مع كل المواطنين كبشر يتمتعون بهذه الحقوق فقط كونهم بشرا بغض النظر عن الأصل والانتماء والمعتقد..

وماذا يضرنا لو تأخر إقرار الدستور أو النصوص القانونية لسنة أخرى أو سنتين؟ حتى يتم التوافق على حد أدنى يتم إقراره والالتزام به بدل هذا الصراع المجرد لصياغة نصوص يضعها الجميع خلف ظهورهم قبل إقرارها أو بعد إقرارها؟!

أظن أن المهم أن تترسخ القناعة بهذه المفاهيم وضرورة تطبيقها، وأن تكون هذه القناعات منطلقا للممارسات على الأرض لا أن تكون حبيسة الأدراج أو الأوراق الصفراء فهي بلا فائدة وبلا قوة وبلا روح..

وإن أهم ما يعطيها الروح هو شعور الناس أنها نابعة من واقعهم، ومتسقة مع تراثهم، حتى ولم تكن براقة أو مبهرة في صياغتها، وحتى لو لم تعجب الغرب أو الشرق ليمنحونا شهادة حسن سلوك للمعاملات الرسمية بينما يكون ما على الأرض حاملا كل شياطين الماضي التي تظهر في سلوك كل موظف أو مسؤول أو رجل أمن من أصغر دائرة حتى رئيس الجمهورية بغض النظر عن القانون والدستور.. و"دستور من خاطركم يا أسيادي"

 

11‏/12‏/2012

دستور من خاطركم


 
"دستور من خاطركم يا أسيادي" أظن أن هذه العبارة التي كان يستخدمها الصوفيون، وبعض الدجالون لإبعاد الشياطين كي لا تمس البشر وتسبب لهم لوثة عقلية أو ما شابه..

وكما يقول المثل الانكليزي: الشيطان يسكن في التفاصيل.. "دستور من خاطركم.."

بصراحة التفاصيل التي أغرقنا بها الإعلام حول الدستور المصري قد خرج منها شياطين الإنس والجن.. وقد مستني، بل سكنتني، وسببت لي لوثة عقلية جعلتني غير قادر على فهم الكثير من المواقف التي لم أجد ما يحكمها من منطق سياسي أو عقلاني من قبل جميع الأطراف بلا استثناء!

هل من المعقول أن يكون كل هذا الخلاف والصراع –الذي أُريقت فيه الدماء- حول صياغة الدستور؟! "دستور من خاطركم.."

لقد ألقيتم كل أفاعيكم أمامي، فدعوني ألقي كلماتي لعل الله يهبها الروح فتلقف ما كانوا يأفكون، أو بعضه فهذا يكفنِ

فإن بقيت مجرد كلمات، فعسى أن تجد من لديه القدرة لإعادة خلقها وينفخ فيها من الروح فتتمثل بشرا سويا

أظن أن مشكلتنا ليست أبدا في صياغة دستور أو قوانين أو نصوص ترسم شكل الدولة وتحدد طبيعتها.. لنتصارع على هذه الصياغات فوق الأشلاء، وسط الفوضى والخراب دون طائل

مشكلتنا أعمق من ذلك بكثير، وأقدم من ذلك بكثير.. إنها مشكلة أو إشكالية عصر النهضة العربية التي بدأت من مصر أواخر القرن الثامن عشر، عندما صحونا فجأة لنرى العالم من حولنا قد قطع شوطا كبيرا في بناء النهضة، وتحديد الهوية وبناء الدولة المعبرة عن المجتمعات المختلفة، وقد قام نفر غير قليل من رواد عصر النهضة ببذل جهود خارقة في سبيل جسر هذه الهوة التي تفصلنا عن العالم المتقدم "الذي كان وقتها أوربا"

لكن هذه الجهود -رغم صدقها وجديتها- إلا أنها لم تستطع أن تحدث التغييرات المطلوبة في المجتمع وبنيته الثقافية والاجتماعية.. فبقيت حالة فوقية مفصولة عنه.. ولم تستطع أن تجري عملية تصفية الماضي، واجراء القطيعة المعرفية اللازمة لإسدال الستار فوق الفصل السابق لبدء فصل جديد، كما حدث في دول أوربا زمن النهضة

وأهم سبب للفشل أنها لم تكن حصيلة تجارب فعلية عميقة تحدث هذا التغيير من ناحية اولى، ولأنها كانت قائمة على انتقائية غير مبيئة على دراسة واعية للواقع لتخلق مفاهيم جديدة تكون عنصرا أصيلا في الوعي العربي

وابرز الأمثلة على ذلك هو موضوع  الدستور والقوانين الناظمة للدولة العربية الحديثة، ففي تلك المرحلة التي بدأ فيها عصر النهضة العربية كان في أوربا مدرستين مختلفتين تماما، أولهما المدرسة الفرنسية التي كانت تؤمن بضرورة توثيق وصياغة نصوص واضحة ومفصلة تحكم العلاقات بين مكونات المجتمع وقواه السياسية والاجتماعية والمهنية.. وكان لديها إيمان راسخ –بحكم تجربتها الخاصة- بأن هذه النصوص تمتلك القوة في ذاتها بمجرد صياغتها وإقرارها عبر أطر محددة "استفتاء.. تصويت من جهة منتخبة أو مختارة.." لذلك نجد مجلدات ثقيلة من القوانين والدساتير وتفسيراتها وشروح لنصوصها وآلياتها وفلسفتها في المكتبة الفرنسية

في حين أن المدرسة الإنكليزية كانت تؤمن بأنه ليس مهماً وجود نصوص للقوانين أو الدساتير أو إقرارها بأي طريقة، بل المهم أن تكون هذه القوانين أو المفاهيم الدستورية مؤسسة في وعي الناس وإيمانهم بها واستعدادهم للتقيد الطوعي التلقائي بها، لأن النصوص لا حول لها ولا قوة.. وأن أي نص مهما كان إبداع صياغته يبقى حبرا على ورق، ما لم يكن لدى الناس الاستعداد للتقيد به وتطبيقه من تلقاء أنفسهم، وكان إيمانهم راسخا –بحكم تجربتهم- أن النصوص ضعيفة في حد ذاتها وإذا كان لها من قوة فهي من قناعة الناس بتطبيقها حتى لو كانت غير مكتوبة أصلا، لذلك بقيت المملكة بدون دستور مكتوب باستثناء وثيقة الحقوق التي تم الاتفاق بين النبلاء في ذلك الوقت مع الملك عليها وهي لا تتجاوز صفحة واحدة

وقد أُثير هذا الجدل أيضا في الولايات المتحدة عند تأسيس الدولة المستقلة، هل من الضروري كتابة دستور أم لا؟

يتبع

05‏/12‏/2012

قائدنا للأبد..


كثيرة هي الشعارات التي رفعتها الثورة السورية في مراحلها المتعددة منذ انطلاقتها.. بعضها كان موفقا، وبعضها كان عاديا.. وبعضها كان غير واقعيا مثل الشعار الذي رُفع في مظاهرة الحريقة 2011 "الشعب السوري ما بينذل" متناسيا أننا قبلنا ثلالثة عقود من العيش الذليل.. لكن سرعان ما استبدل بشعار أكثر ملائمة مع انطلاق انتفاضة درعا "الموت ولا المذلة" الذي كان بمثابة قطع مع الماضي واستشراف لمستقبل غير مسموح فيه القبول بالذل ولو كان الثمن هو الموت من أجل أن تعيش الأجيال القادمة بعز وكرامة.. وقد تجلى هذا الوعي بما سمي في أدبيات الثورة بالقسم العمري "نقسم بالله أن لا نقبل لأبنائنا نفس الحياة التي قبل بها أباؤنا لنا" وهو القسم الذي تعاهد عليه مجموعة من شباب درعا المعتصمين في ساحة المسجد العمري في إحدى ليالي العز في مهد الثورة الأول

وبعضها كان مبهرا مثل شعار "الله.. سورية وحرية وبس" الذي انطلق في مظاهرة دمشق 15 آذار 2011 والذي اسقط بشار وعصره وعصر ابيه واستبدله بالحرية فكان شعارا جامعا قاطعا مانعا في تكثيفه وترتيبه واشتماله خيارات وأولويات الشعب السوري في فجره الجديد

وبعضها كان مستعارا من وحي الربيع العربي في زهرته السورية.. وأنا سمعته أول مرة من مدينة دوما البطولة "الشعب يريد إسقاط النظام" ولم يكن وقتها مطلبا عاما، حيث كان هناك الكثيرين يأملون بإصلاح النظام والكثيرين الذين لم يكونوا قد حسموا خيارهم بعد، بالأخص خارج ريف دمشق الذي كان له السبق في الرؤيا.. ولكنه ما لبث أن اصبح شعارا عاما في كل المحافظات مع استمرار خيار النظام بالحسم الأمني.. بل تطرف إلى "الشعب يريد إعدام الرئيس.. او الشعب يريد محاكمة النظام.."

و من بعدها توالت الشعارات بعضها جزئي من باب الشعب يريد... "وكل يضع ما يريد!!".. وبعضها مرحلي او وقتي مثل "يا بثينة ويا شعبان الشعب السوري مو جوعان" أو "لا دراسة ولا تدريس حتى يسقط الرئيس"

ومع تقدم مرحلة استخدام السلاح برزت شعارات كثيرة كان اشملهلها وأكثرها انتشارا "الله محيي الجيش الحر" الذي عبر عن حسم جزء غير قليل من الشعب السوري خياره لإسقاط النظام بالقوة العسكرية وإن كان هذا الخيار أكبر شرخ حدث في صفوف الثورة بالأخص حول ما رافقه من طلب التدخل الخارجي او حظر الطيران او المناطق العازلة..

ومع بروز وتبلور الوجه الإسلامي "المسيس" والنزعات الجهادية اظهر الكثير من الشعارات ابتدأت من شعار "هي لله.. هي لله.. لا للسلطة ولا للجاه" الذي كان مقبولا من شرائح واسعة لما يحمل من طهر ثوري.. لتصل إلى  "الشعب يريد إعلان الجهاد" إلى"الشعب يريد تطبيق الشريعة" أو "الشعب يريد دولة إسلامية" وهي كانت محصورة في مناطق معينة ومثيرة لجدل كبير لسنا في مجال الخوض فيه هنا، وفي هذا الوقت.

ولكن الشعار الذي سوف نتوقف عنده هو "قائدنا للأبد سيدنا محمد"

وهو شعار ينتشر بشكل أوسع من سابقيه.. وأقل إثارة للجدل والاستفزاز لكنه يستحق الوقوف عنده وبحثه

يتبع  

قائدنا للأبد.. "2"


وصلنا في الجزء الأول إلى انتشار شعار "قائدنا للأبد سيدنا محمد" وهو منتمي إلى نوعين كنا قد ذكرناهم في الجزء الاول في آنٍ معا، الاول انه مستورد من الخارج ومن فترات سابقة على الربيع العربي حيث تم رفعه في أكثر من قطر عربي في مظاهرات محدودة لقوى إسلامية سلفية في الغالب "وان يكن هذا ليس عيبا في حد ذاته" والثاني أنه من نوع الشعارات التي فيها إحلال أو استبدال للقائد الديكتاتور –وهو في سورية حافظ الاسد- باسم النبي الأعظم "ص" وأظن أن هذا عيبه الأكبر باستبدال ما هو مدنس بما هو مقدس، وما هو دنيوي بما هو ديني في توظيف سياسي واضح.. وخروج عن نمط الشعارات الثورية -التي غالبا ما تكون جماعية عامة- إلى نظرة فئوية أو فصائلية.. مستغلة رمزا مقدسا في المجتمع والتاريخ العربي.. في محاولة -واعية أو غير واعية- لإضفاء هذه القداسة على فصيل أو تيار سياسي، ولتحقيق مكاسب سياسية أو استدراج تعاطف شعبي ولو كان –بوعي أو عدم وعي- بزج رمز مقدس "بل الأكثر تقديسا بعد الله" في مجال الجدل السياسي الذي هو بطبيعته أبعد ما يكون عن القداسة أو التنزيه

إن السياسة و الفعل السياسي هو شأن دنيوي بالدرجة الاولى، والرسول "ص" قد قال: "انتم أدرى بشؤون دنياكم" ولكن هذا الجدل مثار منذ بداية عصر النهضة العربية في العصر الحديث بين دعاة العلمانية وأنصارها والمقاربين لها من جهة، وبين التيارات الإسلامية بكل تلويناتها من جهة أخرى، وهي التي تبنّت مقولة أصبحت بحكم المسلّمة لديها: "الاسلام دين ودولة" وظل المجتمع العربي بشكل عام بغالبيته الساحقة خارج هذا التدافع الفكري والثقافي والسياسي، وقابعا على رصيف الصمت السلبي او الإيجابي

وإن كان من غير الممكن إنكاره أن التيارات الحداثية والعلمانية لم تستطع كسب عقل المجتمع العربي أو قلبه خارج بوتقة ضيقة من المثقفين أو المتثاقفين، والذي زاد الطين بلة أن النخب التي حكمت البلاد العربية لعقود باسم هذه التيارات قد ارتبطت ارتباطا -لا يمكن فصله بسهولة- بالدكتاتوريات العسكرتية بمنظوماتها الأمنية وبالفساد ومنظوماته المافيوية التي نهبت خيرات البلاد والعباد.. وهذا ما سوف يؤثر على مستقبلها السياسي لسنوات، ما لم تستطع إثبات انفصالها العضوي والفكري عن تلك المنظومات بشكل واقعي يستطيع إقناع الشارع العربي بوضوح وبشكل مبسط بعيدا عن الفزلكات الفكرية والنظرية الجافة المنفصلة عن واقعها أو المتعالية عليه "ولا أظن ذلك سيكون قريبا"

ولكن أيضا التيارات الدينية استطاعت أن تكسب قلوب فئة غير قليلة من المجتمع لكنها لم تستطع حتى الآن كسب عقله.. بل إنها لم تحاول جديا مخاطبة عقله أصلا.. "وأظن أن ذلك من خوفها أن تخسر الاثنين معا"

ليس لدي شك أن المرحلة القادمة سوف تكون مرحلة الاسلاميين في كل الدول العربية.. لكن طول ونجاح تلك المرحلة مرهون بشكل أساسي بقدرتها على مخاطبة العقل المجتمعي وتلبية احتياجاته المادية إضافة لاحتياجاته العاطفية المتمثلة في بحثه الدائم والمشروع عن شكل للدولة والبنية السياسية غير مفصولة عن تاريخه وتراثه الحضاري "الذي بني وعيه الفكري على رؤيته مجيدا مشرقا بكل ما كان فيه إبان عصره الذهبي الذي كان مرتبطا ارتباطا عضويا بالدعوة الاسلامية وانتشارها"

وأنا أرى أن التأييد الكبير الذي تناله هذه التيارات مشروع ومفهوم من هذا الباب الذي يلبي تطلعا أصيلا لمجتمع عظيم تحدوه الرغبة في التميز والتواصل مع تراثه ودينه أيضا

ولكن أهم ما يجب الانتباه له من قبل هذه التيارات أن هذا غير كاف ولا ضامن لاستمرار هذا التأييد فالشعارات في النهاية لا تطعم خبزا بحد ذاتها، والشعارات لا تضمن للمجتمع أن تبقى هذه التيارات مفصولة عن المنظومات التي أساءت حكمه وسياسته لعقود، وفي رأسها الديكتاتورية وتهميش المجتمع وإبعاده عن المشاركة في صياغة مستقبله ورسم سياساته، وإن اختلفت الأشكال والمسميات، بل ربما تكون النتائج أسوأ في حال بناء منظومات مستبدة سياسيا، ومضافا لها صفات القداسة الدينية التي تلغي حتى هامش التعبير الذي كان متاح في بعض الدول في ظل الاستبداد المتستر بالعلمانية والحداثوية المزعومة

وكذك الفساد بمنظوماته المتنوعة، فالفساد ليس مجرد نهب الثروات والسرقة والرشوات.. بل يتعداها إلى التمييز –غير المشروع- بين المواطنين على اسس مذهبية او حزبية.. وعدم القدرة على الإنجاز وتلبية الاحتياجات المعيشية والاقتصادية والثقافية.. وعدم النقد والتطوير لتجاوز الأخطاء واستبعاد المقصرين أو عدم الاستفادة من الخبرات والطاقات الكامنة لدى المجتمع العربي.. والأسوأ أن يتم تغطية ذلك بحج ومبررات غيبية أو تفسيرها بعقلية تآمراتية..

واضرب مثلا هنا يتمثل في رد الرئيس عمر البشير على المنتقدين لنظام حكمه –المحسوب على الأسلاميين- فيما يتعلق بعدم تحقيق ما يذكر في مجال مكافحة الفقر وتحقيق التنمية بعد سنوات من حكمه "الاسلامي" بقوله مستشهدا من القرآن الكريم "النص المقدس للمسمين كافة": لنبلوكم بشيء من الخوف ونقص من الثمرات والأنفس

وعودا على بدئ نرجع من حيث انطلقنا شعار "قائدنا للأبد سيدنا محمد" لنناقشه كنص بشري نسبي وليس مطلقا لا يأتيه الباطل..

يتبع