18‏/04‏/2012

من الدولة المستقلة إلى الدولة المستقيلة 2

كل عام في ذكرى الاستقلال يقفز إلى ذاكرتي مقال كتبه صديق بنفس العنوان في الذكرى الخمسين لاستقلال سورية، ربما لأنه كان تنبؤا بما ألت إليه الأحوال الآن وما قبل الثورة أيضا
فمن يشك بأن تخلي الدولة عن دورها في مجالي التعليم والصحة ورفع الدعم.. قد كان من أهم عوامل الاحتقان الاجتماعي الذي انتج هذه الثورة؟!
طبعا هذا لا ينفي العوامل الأخرى المتجذرة لأربعين سنة من الاستبداد والفساد و التمييز و القهر..
وهذا الزمن الطويل من الاستبداد قد جعل الدولة متماهية مع السلطة.. وضيق مفهوم السلطة إلى النظام.. والنظام إلى أجهزة.. في حين تم اعفاء الدولة من مهامها ابتداء من مهمتها الرئيسية و هي حماية  أراض الدولة والدفاع عن سيادتها، فتركت جزءا منها محتلا.. وتخلت عن جزء أخر.. وسكتت عن عشرات الاختراقات للحدود والأجواء والاعتداءات.. "مع الاحتفاظ بحق الرد في الوقت المناسب طبعا" حتى وصلت إلى التخلي عن أبسط حدود مسؤولياتها كإزالة القمامة مثلا!!!
ولا أعرف ما هو الرابط بين مواجهة مجموعات مسلحة –كما تدّعي السلطة- والامتناع عن جمع القمامة من الشوارع و الطرقات في المناطق الثائرة!!!
إنها الدولة المستقيلة.. وإنها السلطة المسعورة التي لا تتردد في التخلي عن أي شيء في سبيل الاحتفاظ بالسلطة، سواء على أرض مدمرة أو محروقة أو منزوعة السيادة.. أو تحت الوصاية.
إنها الدولة المستقيلة من حماية الشعب لصالح حماية السلطة أو رأس السلطة أو أذنابها لا غير
إنها الدولة المستقيلة من الحفاظ على الأمن والاستقرار لصالح الحفاظ على السيطرة
إنها دولة السلطة.. لا سلطة الدولة
إنها دولة جهاز الأمن.. لا جهاز أمن الدولة  " الدولة التي قوامها الأساسي هو الأرض والشعب.."
عندها لا ترى مانعا من حرق الأرض أو زرعها بالألغام أو المتفجرات.. وتشريد الشعب أو قتله أو تشريده.. أو تجويعه للحفاظ على سلطة تريد التحكّم لا الحكم.. وتريد السيطرة، لا السيادة..
عندها تنحدر الدولة من مفهومها السياسي والاجتماعي إلى سلطة قهر واستعباد.. وتنحدر أجهزة الأمن إلى مستوى عصابات "مسلحة " تنهب البلاد، وتذل العباد..
وعندها ينفتح باب مشروعية مقاومتها بكل الأشكال، بما فيها السلاح.. أو حتى لحد الاستعانة بالخارج، سواء من الاشقاء او الاصدقاء أو الأعدقاء أو الأعداء.. للخلاص من استعمار استعبادي..  حتى لو كان بالوقوع تحت استعمار وصائي!!!
لقد تنبّأ صديقي في مقاله المذكور سابقا بأن هذا النوع من الأنظمة الاستبدادية سوف تعيد انتاج المقولة الأساسية التي بنى عليها الانتداب حجته ومقولته الأساسية: "ان هذه الشعوب غير قادرة على حكم نفسها بنفسها، وهي بحاجة إلى وصاية دول أكثر تقدما ورقيا إلى حين.."
فهل من الغريب أن نرى شريحة غير قليلة الآن تطالب بفرض مثل هذه الوصاية "من حظر جوي أو مناطق آمنة.. أو تدخل عسكري"
ومن يتحمل مسؤولية ذلك؟؟ هذه الشرائح غير المسيسة أم الأنظمة؟؟! وهي التي أسقطت منذ زمن بعيد مفهوم الدولة.. وجعلتها دولة مستقيلة، لا دولة مستقلة
وكل عيد استقلال وأنتم بخير


هناك تعليق واحد:

  1. العبيد وحدهم يفاضلون بين استعمار و استعمار ..

    ردحذف