أسوأ شي بالحياة كلها أنه الإنسان يسخر قدام الموت.. لأنه الموت بأي شكل من الأشكال هو قمة التراجيديا الإنسانية.. والقتل هو ذروة سنامها
بس من سنة ونص الموت والقتل بسورية صار إله لون وطعم تاني.. وما عاد فيه طعم المرار القديم والمأساوية بالأخص لما صار مشهد يومي بكل المحافظات وبالعشرات احيانا.. حتى صار بكتير من الحالات مشهد كوميدي!! بالأخص لما بتشوف الشباب حاملين نعوش الشهداء وعم يرقصوا فيها "متل صينية تلبيسة العريس" ويغنوا ويوصفوا فوق روسهم.. وزغاريد النسوان وتصفيق الأولاد..
مشهد ما عم يقدر العالم يستوعبه أو يفك رموزه السيريالية، بالأخص خارج العالم الإسلامي البعيد عن ثقافة الشهادة.. فمهما كانت الغاية نبيلة والمهمة جسيمة.. ما عم يقدروا يفهموا شو هالحالة الفيزيولوجية او التركيبة الكيميائية لهالمشاهد اللي عم تنبث على اليوتيوب والشاشات.. واللي عم تبدو لهم بعيدة عن الإنسانية أحيانا.. لدرجة انها عم تصير صعبة التصديق.. حتى يمكن عم تكون رواية النظام بالفبركة بالنسبة إلهم واردة!!
بس لو نظرنا من ناحية تانية منشوف أنه الشهداء صاروا بالفعل أحياء ومذكورين أكتر من الأحياء البيولوجيين.. من حمزة الخطيب وهاجر لإبراهيم قاشوش وغياث مطر.. ومشعل تمو.. والقائمة تطول أكتر من 15 الف.. والواقفين على الدور اكتر
وكأنه الشعب السوري هلق عم يطبق فلسفة سعد زغلول، لما خاطب الشعب المصري: "لا تخافوا من الموت.. فلستم أحياء.. واطلبوا الموت تّوهب لكم الحياة.."
فإذا كانت هذه فلسفة الطرف الاول، فما هي فلسفة الطرف الآخر؟؟!
وبعيدا عما تفزلك به بشار في خطابه الأخير عن العملية الجراحية والدماء التي تسيل منها لإنقاذ المريض.. فليس هناك وجود لأي طرف من أطراف هذه المعادلة.. فليس هناك شعب مريض!! بل شعب نجا من مرض عضال اسمه الخوف والخنوع فانتفض في رحلة العلاج الذاتي وصار عصيا على التخدير مجددا بعد السبات الطويل.. ولا يوجد عملية جراحية!! ولا غرفة عمليات!! ولا دكتور!! "مع احترامنا لحرفي الدال والكاف"
لكن ما هو قائم فعليا وما نعرفه تماما أن هناك نظام ديكتاتوري مريض بالسلطة المطلقة.. يحاول الحفاظ عليها وعلى مكتسباتها بأي شكل وبأي ثمن.. دون عقل، ودون ضمير.. وباستخدام جرعات غير محدودة من العنف العشوائي بكل أشكاله
وإذا كان التاريخ يقول: أنه لم يوجد أي نظام ديكتاتوري أو يستمر في العالم كله دون ان يستخدم العنف والقتل!! فإنه يؤكد أيضا انه لا يمكن أن يُبنى أو يستمر باستخدام العنف وحده مهما بلغت شدته
فعندما يؤدي قتل معارض او ثائر إلى إسكات وإخماد بلدة، ويؤدي اعتقال او تعذيب معارض لإسكات حارة.. يكون العنف أحد أهم الأركان للنظام الاستبدادي
ولكن عندما يؤدي اعتقال معارض أو ثائر لتحرك أو انتفاض حارة، وعندما يؤدي قتل آخر لانتفاض بلدة.. يصبح كل فعل عنيف مسمارا جديدا في نعش النظام.. ويصبح العنف عبثا لا طائل منه ويصير القتل فعلا انتقاميا يولد ردات فعل وطاقات سلبية هائلة.. إنه لا يمكنه انقاذ نظام أو إعادة هيبته أو إطالة عمره إنه فقط يؤثر في تخريب المرحلة التالية لسقوط النظام الحتمي وزيادة صعوباتها
لقد استخدم النظام أكثر من فلسفة للقتل والعنف خلال هذه الثورة.. ففي المرحلة الاولى قرأ أحداث الربيع العربي بشكل خاطئ تماما فقد ظن أن المواجهة بعنف كبير من اللحظة الأولى كفيل بإعادة الخوف المؤدي للإذعان الذي هو الدستور الوحيد والركن الأساس لكل نظام استبدادي، وعندما فشلت خطته وشعر بالفراغ من خلفه استخدم فلسفة بث الخوف المؤدي للشلل بالتخويف من الخراب العام والمستقبل المجهول وعندما فشلت خطته في وقف الحراك وامتداده.. أصبحت فلسفته مختصرة بجملة واحدة معبرة "الأسد أو نحرق البلد" إنها النهاية بكل تأكيد فالنار تؤذي من حولها لكنها تحرق مادتها وتبقيها هباء منثورا.
ماذا اقول احسن واجمل واروع وافعم موضوع بالحيوية والهوية الشخصية ولا اعرف في اي وقت كتب هذا الموضوع لعله الهام واي الهام ...كلمات تزعزع الاركان جحا واي جحا..موضوع خارق للعادة .من انت يا صاحب الموضوع...لعلك لست من عالمنا بل من عالمنا ...ربما من ارض اخرى بل من ارضنا...اغوتيت سحر بيان من عالم منان.
ردحذفانت فعلا شاعر الثورة وتستاهل
ردحذف