27‏/06‏/2012

فلسفة القتل والموت 2

في الجزء الأول طرحت فلسفة "الطرفين" لما يحدث على أرض سورية من عمليات القتل على مدى أشهر لكنها ليست وجهة نظري فأنا أرى أن الموت شيء أكبر من الفلسفة.. لأن الفلسفة هي بناء تصور نظري للحياة وليس للموت..
إن ما يقوم به الشعب السوري من مظاهر احتفالية قد تكون مبالغ فيها أحيانا في الجنائز والتشييعات هي إحدى وسائل الدفاع النفسي الجماعي التي يتخذها الفرد أو المجموع في الحفاظ على توازنه الداخلي أثناء أو بعد تعرضه لشدة نفسية قاسية..
إن سقوط هذا العدد الكبير من الضحايا بشكل يومي وبأشكال بشعة وقاسية أحيانا ليس من السهل احتماله دون فعل مضاد يحقق هذا التوازن وهو يتمثل في حالتنا بفعلين متزامنين قد يبدوان متناقضين تماما، فأولهما: المظاهر الاحتفالية التي ذكرناها.. وثانيهما: الإلتجاء إلى العمل المسلح الذي يبدو رمزيا أحيانا بشكل مضحك.. فبعض الشباب الذين انضموا إلى الجيش الحر هم غير مدربين على السلاح، ولا يملكون سلاحا أصلا.. ولا الجيش الحر استطاع تأمين السلاح لهم..لكنهم أصبحوا محسوبين في خانة العمل المسلح في الثورة، وكذلك من يمتلكون أسلحة فردية خفيفة.. ودون ذخيرة أحيانا.. إن هذا بالتأكيد ليس من منطق المواجهة المسلحة بمعناها العسكري.. بل هو من منطق الحفاظ على التوازن النفسي للثورة والمجتمع.. وهذا ما لا يجب الاستخفاف به أو النظر إليه بسلبية مطلقة على طول الخط.
إن ما تقوم به الثورة السورية هو ملحمة حقيقية تدور على الأرض وليس في الخيال كما هي الملاحم التاريخية، وأبطالها رجال ونساء من لحم دم وليسوا من ورق ومداد!!
ولكن في نفس الوقت يجب الانتباه بأن الملاحم الكبرى في التاريخ البشري –كالثورة السورية- تميل بطبعها إلى الترميز والتسامي إلى درجة أنها تترفع عن الجانب الإنساني لصالح الجانب الرمزي الملحمي فتغفله مؤقتا أو بشكل دائم دون أن تشعر مما يخلق مشاكل مستقبلية هائلة.. فلا يجب إبراز صورة الشهداء كجنازة كبرى أشبه بزفاف.. وأكاليل الورد والغار.. والبوستات في تويتر والفيس بوك.. في حين ننسى أو نتناسى أن وراء كل شهيد مأساة إنسانية كاملة وجروح غائرة وشروخ لا يمكن تغطيتها بهذه المشاهد!
لا ينبغي ان نستحي أو نهمل هذه الجوانب الإنسانية حتى بتفاصيلها الصغيرة فهي مؤثرة أيضا وبعمق.. فلست أنسى مشهدا نصيا للكاتبة "أحلام مستغانمي" في روايتها الملحمية "ذاكرة الجسد" على لسان بطلها خالد الذي يصف لحظة استشهاد أبيه فيقول: جلست أمي وسط الدار تبكي وتنوح وجلست حولها نساء الحي يندبن وليس كما تقول أساطير الثورة الجزائرية بأن النساء كن يزغردن للشهداء.. وأنا كنت في زاوية أبكي بصوت مخنوق..
لكن هذا لم يمنع خالد من الاشتراك في الثورة و يخسر ذراعه اليمنى فيها.. وهو ما سيترك تشوها جسديا ونفسيا سيرافقه حتى المشهد الأخير عندما يقرر العودة إلى الوطن بعد ربع قرن في المنفى الاختياري ولم يشأ أن يحمل أي شيء من ذكريات المنفى فدخل مطار الجزائر بحقيبة يد صغيرة لا غير.. عندما أوقفه جمركي عمره من عمر الاستقلال ليسأله بلهجة اتهامية: بماذا تصرح؟ فيجيب: أصرح بالذاكرة.
إنها ليست كلمة "عابرة وطن"* إنها أكبر معضلة في مرحلة ما بعد سقوط النظام الذي لا أشك قيد أنملة في أنه واقع.. لكن زواله سيكون مثل لحظة زوال تأثير المخدر بعد عملية جراحية.. والذكريات ستجد ملعب مفتوحا في ظل "فوضى الحواس"** فهل نستطيع أن نطبق معادلة محمود درويش "ذاكرة للنسيان"***
*إشارة إلى رواية أحلام مستغانمي " عابر سرير"
** "فوضى الحواس" اسم الرواية الثانية لأحلام مستغانمي
*** "ذاكرة للنسيان" اسم ديوان شعري لمحمود درويش  

هناك تعليق واحد:

  1. شخصية هتلرية امام جيش من كلمات لا تخشى الموت.احب اهل سوريا حب الجنون.

    ردحذف