قد يستغرب البعض من سر الموقف الصيني اتجاه الثورة في سورية وموقفها المعلن
الأقرب للنظام السوري
وقد يعتقد البعض أن لذلك له جذور ايديولوجية او ارتباطات خفية.. تجعل من
الحتمية عليها تأييد النظام على حساب الحركة الشعبية وإرادة التغيير الديمقراطي في
سورية بشكل خاص والوطن العربي بشكل عام
في حين ان الموقف الصيني أبسط بكثير من تعقيدات الوضع السياسي والاجتماعي
في المنطقة العربية ومحيطها الإقليمي في أسيا وإفريقيا
فالصين رغم كونها دولة دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي منذ زمن بعيد فإنها
كانت دائما –وحتى وقت قريب- تنأى بنفسها عن الترتيبات الدولية والإستراتيجية
للعالم بعيدا عن محيطها الإقليمي.. وإنها مازلت في قرارة نفسها لا تنظر لوضعها
كدولة عظمى لها دور دولي فاعل.. ومازالت تنظر لنفسها كدولة نامية كبيرة لها دور
إقليمي في شرق أسيا فحسب.. "مقابلة نائب وزير الخارجية الصيني مع قناة
الجزيرة في لقاء اليوم"
لقد بنت الصين ترتيباتها الاقتصادية والسياسية على علاقات معظمها مع أنظمة
ذات صفة ديكتاتورية أو عسكراتية مثل كوريا الشمالية وإيران وبورما و ليبيا وسورية
ودول إفريقيا..
وجوهر الموقف الصيني المتشدد من الوضع في سورية هو خشيتها المفرطة من تدشين
فرض تغيير نظام سياسي بإرادة أو دعم دولي لإرادة تغيير شعبي لحكم ديكتاتوري قد
يتبعه تغيير أو سلسلة تغيرات غير منتهية لأنطمة أخرى في العالم قد تخرب ترتيبتها
السياسية والأمنية قد تطال محيطها الإقليمي الذي هو جوهر اهتمامها وتخطيطها في
المدى المنظور
فالصين لم تهضم بعد حقيقة تحولها خلال العقدين الماضيين من دولة نامية نموا
اضطراديا فوق مستوى التصور إلى قوة اقتصادية عظمى يجعلها مرشحة لتكون القوة الأعظم
خلال سنوات
لقد بنت الصين علاقات مؤقتة خلال فترة صعودها الصاروخي لسد الاحتياجات
الآنية لاقتصادها بالأخص لحاجتها من النفط والمواد الأولية.. وترتيبات أمنها
الإقليمي كذلك مما ورطها في علاقات مع انظمة قائمة بغض النظر عن شرعيتها أو
تمثيلها الشعبي.. ودون مناقشة إمكانية استمرارها واستقرارها ودون النفاذ أو مد
للعلاقة إلى العمق السياسي والشعبي لتلك الدول او نخبها الثقافية والسياسية لتحصين
مصالحها ومكتسباتها على المدى البعيد
إنها كمن يبني قلاع الرمل على شاطئ عاصف لا ضمانة لانهيارها في أية لحظة مع
أي مد بحري هو من سمات الطبيعة في أي مكان على سطح البسيطة
لقد كانت فترة الربيع العربي فرصة سانحة للصين لتعديل ترتيباتها مع الأنظمة
لتمدها إلى علاقة دائمة مع الشعوب بكل مكوناتها بعيدا عن التغيرات المحتملة على
المدى القريب أو البعيد والانعتاق من النظرة الآنية إلى الخطط الإستراتيجية
لكن الصين لم ترقى بعد لتغير دورها الدولي على الصعيد السياسي بما يتناسب
مع دورها الاقتصادي كواحد من أشره الاقتصادات للنفط والمواد الأولية والاستثمارات
المالية وكأكبر مصدر لدول العالم من جميع المنتجات الصناعية والزراعية.. وما
يتطلبه ذلك من علاقات مستقرة مبنية على أسس متينة من جميع النواحي..
فالصين الآن عملاق كبير يمتد ظله الأصفر فوق اصقاع المعمورة لكنه برأس صغير
ونظرة قاصرة منغلقة توقعه في تناقضات لا حصر لها بين المخاوف والتطلعات.. بين
ترتيبات الحاضر البائسة وخطط المستقبل الواعدة.. بين المصالح الاقتصادية الواسعة والترتيبات
السياسية الضيقة
فماذا ينتظر العملاق الأصفر؟! هل يراهن فقط على وقف مد التغيير القادم مثل
القدر المحتوم، فإن لم يكن اليوم ففي الغد القريب لا مرد له سوى استيعابه والتأقلم
معه ومع نتائجه في أسوأ الأحوال أو دفعه وقيادته في أحسن الأحوال
أما آن الأوان للصين أن تفهم حقيقة وضعها الجديد، وأن تفهم أن قوتها أصبحت
فرض عين على كل مكونات الواقع الدولي الجديد يجعل أي متغيير غير قادر على تجاهلها
أو مستغن عن العلاقة معها وإن يكن على أسس أخرى ليس من الصعب عليها التعامل معها
والاستفادة منها
فلو بقيت الدول الأوربية أسيرة نظرة الاستعمار القديم لعجزت عن الاستمرار في
التأثير والاستفادة من دول العالم الثالث بعد الحرب العالمية الثانية ولكانت الآن
خارج التاريخ إن لم نقل في مزبلته.. فالزمن يسير ولا يرحم من يقف عند لحظة منه
بالأخص في زمن التغييرات الكبرى
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق