25‏/11‏/2012

الديكتاتور العادل


أثارت القرارات الأخيرة التي اتخذها الرئيس مرسي جدلا واسعا في كل الأوساط الثقافيية والشعبية بين أخذ ورد.. بين مؤيد ومعارض..

وقد أثارت ذاكرتي لكتابين مهمين الأول للمفكر اليساري ياسين الحافظ يرصد فيها انعكاس ما يحصل في مصر على المستويين الثقافي والسياسي على سورية.. وهو ما يفسر اهتمام السوريون الزائد بما يحدث في مصر

والكتاب الثاني –وهو في قلب الجدل الدائر- للكاتب القومي عصمت سيف الدولة في مطلع السبعينات، وهو بعنوان على شكل سؤال "هل كان عبد الناصر ديكتاتور؟"

والأغرب من العنوان وعلاقته بما يدور حاليا أني قرأت الكتاب مرتين "من الجلد إلى الجلد" ولم أجد فيه شيئا عن عبد الناصر.. وكنت أظن أني أقرأ مقدمة كتاب حتى انتهت أسطره!!

فكل ما فعله عصمت سيف الدولة في كتابه أنه رصد حركة وتطور الفكر العربي النهضوي منذ مطلع القرن العشرين بمختلف توجهاتها مبرزا فكرة شبه مشتركة سماها "مفهوم الديكتاتور العادل" من علي الطنطاوي ومحمد عبدو إلى احمد أمين وساطع الحصري والعشرات من المفكرين النهضويين العرب بينهما كأفراد وجماعات وأحزاب.. يعري الفكرة التي سادت العقل العربي بأنه لا يمكن قيام انجاز بدون سلطة شبه مطلقة الصلاحيات تمتاز بذاتها بالعدالة.. والنزاهة.. تحقيق تطلعات الجماهير التي يقتصر دورها على السمع والطاعة لتلك السلطة العادلة.. والتهليل والتأييد لما يمليه عليها الهامها.. وحسها القيادي..

وينهي سيف الدولة كتابه حتى دون ان يفرض على القارئ استناتجه.. ودون أن يجيب عن سؤال كتابه.. ربما لأنه يعتبره سؤال مشروع النهضة العربية بذاته؟

ورغم انه منذ السبعينات حتى الآن قد جرت مياه كثيرة في النهر، لكننا فيما يبدو لي -من الجدل الأخير- مازلنا ندور في نفس الفلك الذي طرحه مشروع النهضة العربية منذ بدايته وكأننا نعود إلى نقطة الصفر من جديد وفق مفهوم "الزمن الدائري" الذي طرحه محمد عابد الجابري في كتابه "بنية العقل العربي" أواخر التسعينات من القرن المنصرم.

ولا أظن أنه من الصدفة الآن أن يكون مشروع حزب الحرية والعدالة –الذراع السياسي لجماعة الأخوان المسلمين- مشروع النهضة.. وان تكون أهم الأفكار المؤسسة لجماعة الأخوان مفهوم "السمع والطاعة" الذي يتجسد بالبيعة المطلقة للمرشد العام بالسمع والطاعة ما لم يخالف شرع الله

وهو يحمل في ذاته كل التناقضات التي عوّقت مشروع النهضة العربية بالأساس من الخلط بين الدين كشأن من شؤون الله وبين السياسة وهي شأن من شؤون العباد.. والصراع الدائم بين من يريد الفصل بين الأمرين لدرجة تفصل المجتمع عن الدولة وهو أحد أسسها الثلاث.. وبين من يريد دمجهما لدرجة أن يصبح النسبي مطلقا والبشري ألاهي دون فواصل واضحة.. وبين هذا وذاك تبقى فكرة الديكتاتور العادل.. أو السلطة المطلقة "العادلة" قاسما مشتركا دون الانتباه للتناقض بين مفهوم العدالة وهو نسبي مع المطلق!!

وبذلك انتجنا انظمة متشابهة من حيث الأساس رغم اختلافها من حيث التوجهات.. فمن عبد الناصر القومي إلى بورقيبة العلماني.. وبين نظام الملالي الشيعي إلى الحكم الوهابي السعودي السني.. وما بينهما.. وما قبلهم.. وما تحاول أن تؤسس له حركة الأخوان المسلمين في مصر تمهيدا لتصديره نفس القاسم المشترك.. الذي سينتج نفس النتائج من حيث المضمون لنعود من جديد إلى مربع الصفر "إحدى مربعات خالد العبود"

والسؤال الاول، هو نفس السؤال الأخير، متى سنكف عن صنع الديكتارويين بأشكال جديدة؟؟ ونحن في ضلالنا القديم في البحث عن ديكتاتور عادل، يشهد التاريخ، وسيشهد المستقبل أنه غير موجود إلا في الخيال مثل "الغول والعنقاء والخل الوفي" كما قال العرب أيام جهلهم وجاهليتهم

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق