06‏/09‏/2013

الأساطير المؤسسة للعقل العربي 10


"الرهان بين الثنائيات"

يمكن ما في عربي ما بيعرف داحس والغبراء! الفرسين اللي صارت مشانهم حرب طويلة عريضة بين قبيلة عبس من جهة وذبيان من الجهة الاخرى

بس الغريب أنه ما في كتير من الأخبار عن بداية هالحرب الضروس، وكل الروايات عنها مبتورة أو مختصرة أو بلا تفاصيل باستثناء بعض قصائد الجاهلية اللي قدرت على الحياة لعصرنا.. في حين أنه في كتير من التفاصيل وتفاصيل التفاصيل بأواخر الحرب بالأخص لما دخل عنترة على الخط.. وأخد مكانه كواحد من أهم الأبطال الأسطوريين في العقل العربي على مر العصور والأجيال حتى وقت قريب

وهدا يمكن يفتح السؤال عن مدى أهمية ومحورية مفهوم البطل في العقل الجماعي الباطن؟ واللي ممكن ببساطة أنه يطغى على الجميع أو المجاميع البشرية في مكان أو عصر!!

بس مو عنترة الشاعر هو اللي خلّد عنترة البطل؟!.. يمكن الجواب: أنه لو عنترة ما كان شاعر لكانوا لاقوا له شاعر بالقبيلة ليمجد ويخلد بطولاته.. وهي أول الثنائيات "الأبطال بيخلقوا الشعراء؟ وإلا الشعراء بيخلقوا الأبطال؟"

أنا يبدو لي أنه التانية كانت الحصان الخاسر بمعظم الأحيان بالتاريخ العربي رغم أنه الصراع مازال مستمر

كل هدا مو غريب، الغريب فعلا هو أنه تضل حادثة حرب داحس والغبراء حاضرة بقوة طاغية في العقل العربي بالأخص –وهدا الأغرب- في العصر الحديث منه، فمعظم قضايا وإشكالات –ما سمي- عصر النهضة العربية بداية القرن العشرين كانت شبيهة جدا برهانات بين فرسين، وكل فريق بيختار فرس ليشجعها، وبتصير القضية قضية حياة أو موت، بتخلي كل فريق عنده الاستعداد الفعلي لخوض حرب ضروص غير منتهية.. وتحتاج لعشرات العناتر.. ومئات الشعراء.. وآلاف الشهداء "مادية أو معنوية" في مفرمة الصراع

حتى القضايا الفكرية والثقافية والسياسية اللي كان مهم جدا أنه تتعامل كقضايا جدلية قابلة للتجاوز عن طريق النقاش أو التحليل أو التفاوض.. تم التعامل معها كحرب داحسية لا رجعة فيها ولا هدنة.. و في خضمها تنصر فيها أخاك ظالما أو ظالما.. وليس لك الخيرة من أمرك ف "إن غوت غزية غويت.. وإن ترشد غزية أرشد" ولا حل ثالث بينهما

وهيك من أول قضية طرحت حالها، وهي سؤال "الانفصال عن الدولة العثمانية.. وإلا الاستمرار تحت عباية الخلافة"

ومن بعدها ياما نزل أفراس وفرسان عالساحة!! ثنائيات ورا ثنائيات.. "المشرقية، وإلا الاغتراب..العروبة وإلا الإسلام.. القومية وإلا القطرية الإقليمية.. الأصالة وإلا المعاصرة.. الدولة المدنية وإلا الدولة الدينية.. الديمقراطية، وإلا الشورى.. الصراع وإلا التفاوض.. الثورة، وإلا الإصلاح.."

كل هي الثنائيات تصارعت على ساحة العقل العربي الحديث وأثارت الكثير من الغبار في معارك هي استنساخات جديدة ومحدثة من حرب داحس والغبراء اللي مازالت متحكمة بالعقل والتفكير العربي حتى لحظتنا الحالية.. وأكبر دليل الطريقة من التفكير والتصرفات اللي حدثت وعم تحدث بمصر هلق!!!

وأنا ما قصدي عن الضربة الأمريكية المزعومة المنتظرة، ولا قصدي أنه في كتير ناس مراهنين عليها.. ولا قصدي أنه في أكتر ناس مراهنين أنها لتقوية النظام وتثبيته.. وأنا مو قصدي أنه ننتظر جولات جديدة ونسخ محدثة من "داحس والغبراء" سواء سقط النظام وإلا..   

يتبع